اعلم -أخا الدرب- أنك لست محتاجًا لشيء كحاجتك لرفيق صالح بعد الهداية، فمن أغدق عليه خير الهداية، ورزق بصيرة التقوى، وميز بين الحق والباطل؛ فلا يزال يتقلب في نعم الله ظاهرة وباطنة، فتسدى له الرفقة الصالحة تشد أزره وتقيه على صوارف الدهر وتقلبات الزمان، ومن هنا ندرك قيمة مقالة نبي الله العبد الصالح موسى -عليه السلام- حين قال: ﴿وَٱجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا﴾ [طٰه: ٢٩-٣٥]، الحق أنها مقالة خبير بصير؛ إذ حددت مهام الرفيق:
شد الأزر والمعونة على التقوى وهذه للآخرة، والمشاركة في الحياة وتحمل عنائها وهذه للدنيا، فكأنه جعل الرفيق شريكًا في الدنيا والآخرة، وهذه رفقة دائمة لا تغيّرها تقلبات الزمان.
وكم هو سعيد مَنْ وُفِّقَ لها! ولن يصلها إلا من تقلب في نعيم الحب في الله إلى الخلة فيه وهي أعلى مواصفات الحب في الله، والخلة مشاركة ومؤازرة ومرتبة عليا، ولذلك قال رسول الله ﷺ: «لو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكن صاحبكم خليل الرحمٰن». ولم تتجسد خلة ورفعة كما كانت رفقة الصديق، وما جمعت الدنيا أحدًا إلا وفرقته.
فلا يلبث الفرقاء أن يتفرقوا
ليل يكر عليهم ونهار
والخبير البصير ليعلم أنها فرقة يعقبها لقاء، ولكنه لقاء ذو شعبتين ﴿عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ [آل عِمرَان: ١٨٥]، وإلا فقد خسر ورب الكعبة.
وخلة يعقبها عداء وحسرة وندم لا خير فيها، واسمع قول العزيز العليم لعله يزيل ما كان على قلبك: ﴿ٱلْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا ٱلْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: ٦٧]، فكل خليل يتبرأ من خليله إلا من جمعتهم التقوى وفرّقتهم الطاعة «رجلان تحابّا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه».
فشمِّر -أخا الإسلام- ونقِّب عن صديق يعينك على الطاعة ويحجبك عن المعصية، فإن وجدته فعُضَّ عليه بالنواجذ.