إعداد: الشيخ عبد الله بن خلف السبت
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على رسوله الأمين أما بعد:
أيها الأخوة والأخوات الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ويسعدنا أن نلتقي معكم في حلقات متتابعة ونشرح فيها مسألة مهمة من المسائل المتعلقة بالعلاقة بين العبد وربه ألا وهى العبودية .وقد تساءل المفكرون : لماذا خلقت ؟ وإلى أين المصير؟ وهل لهذه الحياة هدف؟ أم أنها فوضى لا هدف لها ؟
قال تعالى { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } [الذاريات[.
في هذه الحلقة نأخذ بيدك أيها القارئ الكريم لنتابع معا التعرف على حقيقة العبودية لله رب العالمين:
الثانية : الرسل أرسلوا لتحقيق العبودية :
أكبر وصف وصف به المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه عبد الله ورسوله : { سبحان الله الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى } الإسراء 1
ولما كانت هذه القضية الكبرى التي من أجلها خلق الله الكون والإنسان وحيث أن العبد مهما سما لم ولن يستطيع التعرف على حقيقة مراد الله سبحانه أرسل الرسل على فترات وكانت دعوة كل رسول منهم { أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } النحل : 36 { واعبدوا الله مالكم من إله غيره } الأعراف :59،65، 73، 85، وهود : 50، 61، 84، والمؤمنون : 23، 32،،
فانظر يا عبد الله كيف أن كل رسول من هؤلاء كان يركز على العبودية لله وكما قال سبحانه وتعالى { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } الأنبياء : 25 وقال جل وعلا : { ولقد بعثنا في كل أمة رسول أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة } النحل 36
ويعلق الحافظ ابن كثير على هذه الآيات فيقول في هذه الآية ( كلهم- أي: الرسل – يدعون إلي عبادة الله ، وينهون عن عبادة ما سواه : { أن اعبدوا ا الله واجتنبوا الطاغوت } ، فلم يزل – تعالى – يرسل إلى الناس الرسل ذلك ، منذ حدث الشرك في بنى آدم، في قوم نوح – الذين أرسل الله إليهم نوح ، وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض – إلى أن ختمهم بمحمد صلى الله عليه و سلم الذى طبقت دعوته الإنس والجن في المشارق والمغارب))
فانظر يا عبد الله كيف أن هذه الآيات دلت على أن حكمة الله في إرسال الرسل دعوتهم أممهم إلى عبادة الله وحده، النهى عن عبادة ما سواه ، وأن هذا هو دين الأنبياء والمرسلين وإن اختلفت شريعتهم ( فتح المجيد ص21)
والرسل في دعوتهم لأممهم ركزوا على إرشاد العباد إلى الحقيقة الكبرى وهى أنهم خلقوا لعبادة الله سبحانه وبينوا لهم أنهم ما خلقو عبثا كما قال جل وعلا : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون } ((المؤمنون : 115))
وقال قتادة-رحمه الله -: كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟
وقد تحمل الرسل الأذى كله من قومهم حين دعوهم لتحقيق العبودية لله وكان شعار الجاهلية قاطبة { أجعل الآلهة إله واحدا إن هذا لشي عجاب} ص:5.
وتنادوا فيما بينهم على الصبر على الشرك كما قال تعالى حاكيا عنهم { أن امشوا واصبروا على ءالهتكم إن هذا لشيء يراد} ص:6
وحبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم قد بذل من الجهد في دعوته قومه لأن يقولوا: لا إله إلا الله . وأصدق وصف لما كان يعانيه صلى الله عليه وسلم وهو يدعو قومه قوله تعالى { فلعلك باخع نفسك على ءاثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا } الكهف:6
ومن أجمل ما قاله ابن تيمية – رحمة الله عليه -: إذا تبين هذا فكمال المخلوق في تحقيق عبوديته لله وكلما زاد العبد تحقيقا للعبودية ازداد كماله وعلت درجته ومن توهم أن المخلوق يخرج عن العبودية بوجه من الوجوه أو أن الخروج عنها أكمل من أجهل الخلق وأضلهم .
وقال جل وعلا {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين } (( الأعراف : 205 ))
فالرسل – يا عبد الله – كلهم كان شعارهم { قل الله أعبد مخلصا له ديني } [الزمر :14] { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين } [ الأنعام :162]
فيكن هذا شعارنا جميعا به ننادى وعليه نحيا ونموت .وإلى لقاء آخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مجلة الفرقان العدد(147) التاريخ 4/6/2001
العبادة التي خلقت لها (3)
إعداد: الشيخ عبد الله بن خلف السبت
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على رسوله الأمين أما بعد:
أيها الإخوة والأخوات الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
يسعدنا أن نلتقي معكم في حلقات متتابعة ونشرح فيها مسألة مهمة من المسائل المتعلقة بالعلاقة بين العبد وربه ألا وهى العبودية .وقد تساءل المفكرون : لما خلقت ؟ وإلى أين المصير ؟ وهل لهذه الحياة هدف؟ أم أنها فوضى لا هدف لها ؟
*- الثالثة: ما هي العبادة؟
العبادة : هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة وبهذا عرفها العلماء .فهي تتضمن معنى الذل والحب ، وهى تدور بين الحب والخوف والرجاء وكل ما في الوجود إنما هو خاضع لله رب العالمين : { ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها } [ الرعد:15]
ويقرر ابن القيم – رحمه الله – أن العبودية هي المحبة لله فيقول : [ فأصل العبادة : محبة الله – بل إفراده بالمحبة – وأن يكون الحب كله لله فلا يحب معه سواه ، وإنما يحب لأجله وفيه ، كما يحب أنبياؤه ورسله وملائكته وأولياؤه فمحبتنا لهم من تمام محبته وليست محبة معه كمحبة من يتخذون من دون الله أندادا يحبونهم كحبه .
وإذا كانت المحبة له هي حقيقة العبودية له وسرها ، فهي إنما تتحقق باتباع أمره ، واجتناب نهيه ، فبعد اتباع الأمر واجتناب النهي تتبين حقيقة العبودية والمحبة ولهذا جعل تعالى اتباع رسوله مشروطا بمحبتهم لله وشرطا لمحبة الله لهم ، ووجود المشروط ممتنع بدون وجود شرطه وتحققه بتحقيقه فعلم انتفاء المحبة عند انتفاء المتابعة ملزوم لانتفاء محبة الله لهم . فيستحيل إذا ثبوت محبتهم لله ، وثبوت محبة الله لهم بدون المتابعة لرسوله . فالعبادة يا عبد الله انقياد لشرع الله مع محبة وتسليم ورضا بما قدر الله سبحانه وكما قال جل وعلا : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } [ النساء :65 ] فهذه الآية أشارت إلى أن مجرد التسليم لا يكفى ، بل لا بد من رفع الحرج من النفس والرضا بما حكم الله سبحانه.
إذا العبادة ليست الطاعة فقط، بل لابد من ارتباط التسليم القلبي مقرونا بالحب والخوف والرجاء. ولذلك من صرف شيئا من هذه لغير الله تعالى فيما هو خاص بالله كان مشركا بالله سبحانه .ولما كانت العبودية هي الغاية قدمت في الفاتحة في قوله تعالى : { إياك نعبد وإياك نستعين } [الفاتحة:5 ]
فالعبد يسأل الله أن يهديه الصراط المستقيم بعد أن قرر أنه لا يعبد إلا الله بقوله حصرا { إياك نعبد} والاستعانة وسيلة توصل العبد لهذه الغاية الكبرى أي أنه يقرر أنه يستعين بالله للوصول إلى غايته وهى العبودية.
فتدبر حالك – رحمك الله – هل إذا جاءك الأمر من الله ورسوله ينشرح صدرك وتندفع جوارحك أم تجد في نفسك غير ذلك؟ هذا هو محك الإيمان واقرأ معي متدبرا قوله تعالى : { يا أيها الذين ءامنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا وأن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون } [ الأنفال :24]
فالعبودية نوعان : عامة وخاصة
فالعامة هي عبودية أهل السماوات والأرض كلهم بربهم فاجرهم ومؤمنهم وكافرهم ، فهذه عبودية القهر والملك كما قال تعالى : “وقالوا اتخذ الرحمن ولدا *لقد جئتم شيئا إدا *تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا *أن دعوا للرحمن ولدا* وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا *إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا} [ مريم 88-93]
والثاني: العبودية الخاصة كعبودية الطاعة والمحبة واتباع الأوامر قال تعالى : { ياعباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون [ الزخرف : 68 ]
فاحرص يا طالب الجنة أن تحقق في نفسك هذه العبودية النابعة من المحبة والخوف والرجاء واحذر أن يحصل لديك شك أو اعتراض على ما حكم به الله سبحانه وتعالى فتشقى مع من يشقى في الدارين .وإلى لقاء نتابع فيه أمر العبادة .
مجلة الفرقان العدد (149 ) تاريخ 18/6/2001
العبادة التي خلقت لها (5)
إعداد: الشيخ عبد الله بن خلف السبت
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على رسوله الأمين أما بعد:
أيها الإخوة والأخوات الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ويسعدنا أن نلتقى معكم في حلقات متتابعة ونشرح فيها مسألة مهمة من المسائل المتعلقة بالعلاقة بين العبد وربه ألا وهى العبودية .وقد تساءل المفكرون : لما خلقت ؟ وإلى أين المصير ؟ وهل لهذه الحياة هدف؟ أم أنها فوضى لا هدف لها ؟
عبادة القلب
أيها الإخوة والأخوات الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
فها نحن نلتقي معكم مرة أخرى لنتابع حديثنا حول العبودية لنرى كيف نحقق (عبادة القلب )
ذلكم أن هذه المضغة عليها مدار الأمر كله كما نص على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم (( ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب )) رواه البخاري .
ويعبر عن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله : (وأما الإيمان فأصله تصديق وإقرار ومعرفة ، فهو من باب قول القلب المتضمن عمل القلب ، والأصل فيه التصديق .
والعمل تابع له ولهذا فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بإيمان القلب وبخضوعه وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وفسر الإسلام باستلام مخصوص وهو المباني الخمسة.
وأصل عبادة القلب الإخلاص لله فاطر السموات والأرض : { قل الله اعبد مخلصا له ديني } [ الزمر :14 ]
وهى التي تربى في الإنسان صفة المراقبة لله رب العالمين واضعا نصب عينيه قوله تعالى : { واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه } [ البقرة : 235 ]
وفى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حول الإحسان (( أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فإنه يراك ))
فهذه الدرجة العالمية من المراقبة لله هي أهم أعمال القلب فيولد له العمل ما يجعله يزيد في مراقبته لله وخشيته له فإنه عند ذلك تكون منزلة الخوف وهي كما عبر عنها ابن القيم – رحمه الله – (( وهى من أجل منازل الطريق ، وأنفعها للقلب ، وهى فرض على كل أحد قال تعالى : {فلا تخافوهم ، وخافون إن كنتم مؤمنين } [ آل عمران :175 ] وقال تعالى { وإياي فارهبون } [ البقرة :40 ] وقال : {فلا تخشوا الناس واخشون } [المائدة : 44 ]ومدح أهله في كتابه وأثنى عليهم . فقال : { إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون } إلى قوله تعالى : { أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون } [ المؤمنون: 57-61]
وفى المسند والترمذي عن عائشة – رضى الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله قول الله : { والذين يؤتون ما ءاتوا وقلوبهم وجلة } أهو الذى يزنى ويشرب الخمر ويسرق ؟ قال ((لا يابنة الصديق ، ولكنه الرجل يصوم ويصلى ويتصدق ، ويخاف أن لا يقبل الله منه ))
قال الحسن : عملوا والله بالطاعات ، واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم .إن المؤمن جمع إحسانا وخشية ، والمنافق جمع إساءة وأمنا
و((الوجل)) و((الخوف )) و(( الخشية )) و(( الرهبة )) ألفاظ متقاربة غير مترادفة قال أبو القاسم الجنيد : الخوف توقع العقوبة على مجاري الأنفاس.
وقيل : الخوف اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوف .
وقيل الخوف: قوة العلم بمجاري الأحكام ،وهذا سبب الخوف لا أنه نفسه.
وقيل الخوف : هروب القلب من حلول المكروه عند استشعاره
و(( الخشية )) أخص من الخوف ، فإن الخشية للعلماء بالله ، قال الله تعالى : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } [ فاطر: 28 ] فهي خوف مقرون بمعرفة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم (( إني اتقاكم لله وأشدكم له خشية )) رواه مسلم
فالخوف حركة ، والخشية اجتماع وانقباض وسكون فإن الذى يرى العدو والسيل ونحو ذلك له حالتان
إحداها : حركة الهرب منه وهى حالة الخوف.
والثانية : سكونه وقراره في مكان لا يصل إليه فيه ، وهى الخشية.
وأما الرهبة : فهي الإمعان في الهرب من المكروه وهى ضد الرغبة التي هي سفر القلب في طلب المرغوب فيه .
وبين الرهب والهرب تناسب في اللفظ والمعنى ويجمعهما الاشتياق الأوسط الذى هو عقد تقاليب الكلمة على منعى جامع.
وأما الوجل : فرجفان القلب وانصداعه لذكر من يخاف سلطانه وعقوبته أو لرؤيته.
وأما الهيبة : فخوف مقارن بالتعظيم والإجلال وأكثرهما يكون مع المحبة والمعرفة ، والإجلال : تعظيم مقرون بالحب
فالخوف لعامة المؤمنين ، والخشية للعلماء، والهيبة للمحبين والإجلال للمقربين ، وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (( إني لأعلمكم بالله ، وأشدكم له خشية )) وفى رواية ((خوفا)) وقال (( لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصدات تجأرون إلى الله تعالى :أ هــ..
فالخوف اذا استقر في قلب العبد المسلم يجب أن يتلازم معه الرجاء والمحبة والرجاء كما وصف ربنا جل شأنه أهله :{ أولئك الذين يدعون يبتغون الوسيلة أيهم اقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه } [ الإسراء : 57] فابتغاء الوسيلة إليه طلب القرب منه بالعبودية والمحبة فذكر مقامات اليمان الثلاثة التي عليها بناؤه الحب والخوف والرجاء قال تعالى :{ من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لات } [العنكبوت : 5 ] وقال :{ فمن كان يرجو لقاء ربه فلعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحد } [ الكهف : 110 ] وقال تعالى :{أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم } [ البقرة : 218 ]
وفى الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم (( يقول الله عز وجل : أنا عند ظن عبدى فيظن بي ما شاء )) ((فالرجاء )) حاد يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب ويطلب لها السير
فهذا يا عبد الله هو عمل القلب وهذه عبادته فتدبرها وانظر لحال قلبك كيف هو إذا لامس شغافه القران.
مجلة الفرقان العدد (150) تاريخ 25/6/2001
العبادة خلقت لها (6)
إعداد: الشيخ عبد الله بن خلف السبت
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على رسوله الأمين أما بعد:
أيها الإخوة والأخوات الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ويسعدنا أن نلتقى معكم في حلقات متتابعة ونشرح فيها مسألة مهمة من المسائل المتعلقة بالعلاقة بين العبد وربه ألا وهى العبودية .وقد تساءل المفكرون : لما خلقت ؟ والى أين المصير ؟ وهل لهذه الحياة هدف؟ أم أنها فوضى لا هدف لها ؟
عبادة الجروح (1-2)
نقصد بالجوارح جميع أعضاء الإنسان من اللسان واليد والرجل والعينين فالجوارح يقوم بواسطتها العبد بالعبادات كلها.
فهي إما أن تشهد لك بالخير والعمل الصالح أو تشهد عليك بما قدمت {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} [النور:4]
فأنت يا عبدالله عندما ينطق لسانك بالشهادتين فأنت عابد وأنت عندما تسبح الله وتكبره بلسانك فأنت عابد له .
قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم((إن شرائع الإسلام قد كثرت على فمرني بأمر أتشبث به . فقال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله)) رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.
وسبق أن ذكرنا لكم عبادة القلب أما عبادة اللسان فهي :
1-النطق بالشهادتين وتلاوة القرآن والأذكار ورد السلام وتعلم العلم . وكذلك الابتعاد عن الكذب والسب والشتم وشهادة الزور.
كل ذلك يجب أن تجتنبه يا عبدالله ولتعلم أن اللسان يسوق صاحبه إلى الجنة أو إلى النار كما بين المصطفى صلى الله عليه وسلم : فمن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير فقلت : يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار . قال :(( لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه : تعبد الله ولا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت . ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة والصداقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل )). قال : ثم تلا {تتجافى جنوبهم عن المضاجع }حتى بلغ {يعملون } [السجدة :15-17]
ثم قال : ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه قلت : بلى يا رسول الله . قال : رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد ثم قال : ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ قلت : بلى يا رسول الله . فأخذ لسانه قال : كف عليك هذا . فقال : يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال : ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ؟). رواه الترمذي وغيره.
وعن سهل بن سعد رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة ))رواه البخاري.
فاحذر يا عبدالله أن يسوقك لسانك إلى جهنم أعاذنا الله منها .
*وأما عبادة الجوارح: فالنظر الحرام يجر للزنا والعياذ بالله فعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم :(إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لامحالة فزنا العين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تمنى وتشتهى والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه )(متفق عليه) وفى رواية عن مسلم: (والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطأ والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه ).
ولكن لو سخر الإنسان نظره لقراءة القرآن والنظر في ملكوت السموات والأرض التدبر في الملكوت فإن تجول النظر عبادة عظيمة كما قال سبحانه :(إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب * الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار )(آل عمران:190-191).
والجوارح الأخرى كاليد والرجل فهذه عبادتها الكبرى الجهاد في سبيل الله كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم :(ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار ) أخرجه البخاري وغيره وفى رواية النسائي (فهو حرام على النار )وفى رواية الترمذي (فهما حرام على النار).
مجلة الفرقان عدد( 151 تاريخ 2/7/2001
العبادة خلقت لها (7)
إعداد: الشيخ عبد الله بن خلف السبت
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على رسوله الأمين أما بعد:
أيها الإخوة والأخوات الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ويسعدنا أن نلتقى معكم في حلقات متتابعة ونشرح فيها مسألة مهمة من المسائل المتعلقة بالعلاقة بين العبد وربه ألا وهى العبودية .وقد تساءل المفكرون : لماذا خلقت ؟ والى أين المصير ؟ وهل لهذه الحياة هدف؟ أم أنها فوضى لا هدف لها ؟
عبادة الجوارح (2-2)
واللسعى إلى المساجد الأجر العظيم فهاك حديث نبينا صلى الله عليه وسلم ((من غدا إلى المسجد أو راح اعد الله له نزله من الجنة كلما غدا أو راح )) متفق عليه
وما تقوم به يا عبد الله من ركوع وسجود في الصلاة ومن وضوء قبلها كل هذا عبادة للجوارح وكم من الناس قد سخر جوارحه لعبادة غير الله تعالى !
إن عبادة الجوارح شأنها عظيم إذ انك – وفقك الله – لو تدبرت أعمال الحج وحدها لعلمت كيف أن هذه الجوارح تقوم بأعمال عبادية عظيمة فكيف بالجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى؟ !
اذا يا عبد الله انظر لنفسك كيف تستغل هذه الأعضاء التي خلقها الله لك وتدبر معي حديث النبي صلى الله عليه وسلم (( الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان “)
. فاذا أنت يا عبد الله عملت بهذا الحديث ظهر لك كم ضيعت من قراريط من الأجر ولو نظرت لقوله صلى الله عليه وسلم: (( تبسمك في وجه أخيك صدقه )) لظهر لك عظمة هذا الدين.
من اجل ذلك نحن ننادى كل مسلم أن يخلص النية لتصبح حياته بعد ذلك كلها وقربة لله رب العالمين
فهو في عبادة عندما يمارس الطاعات كذلك هو في عبادة عندما يأتي أهله وهو في عبادة عندما يداعب أهله ويطعمهم فعن أبى ذر رضى الله عنه قال (( إن أناسا قالو : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلى ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال: أوليس قد جعل الله لكم ما تتصدقون به : أن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وامر بالمعروف صدقة ونهى عن المنكر صدقة وفى بضع أحدكم صدقة. قالو : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال: (( أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟ فكذلك اذا وضعها في الحلال كان له اجر )) رواه مسلم
وقال أيضا في حديث سعد ابن أبى وقاص رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جاء فيه : (( وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة . حتى اللقمة التي ترفعها إلى في المرأة)) متفق عليه
وهو في عبادة عندما يصل رحمه فعن سلمان بن عامر رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الصدقة على المسكين صدقه . وعلى ذي الرحم ثنتان . صدقة وصلة )) حديث حسن
وهو في عبادة عندما يكرم ضيفه فعن أبى شريح خويلد بن عمرو الخزاعي رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته قالو : وما جائزته يا رسول الله ؟ قال : يومه ، وليلته ،والضيافة ثلاثة أيام ، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه )) متفق عليه .
وهو في عبادة عندما يصلح بين اثنين وهو في عبادة عندما يعين محتاجا فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تصلع فيه الشمس وتعدل بين الاثنين صدقة ، تعين الرجل في دابته ، فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة …)) متفق عليه
وهو في عبادة عندما يعين أخرق لا يحسن صنعته فعن أبى ذر رضى الله عنه قال : قلت يا رسول الله أي الرقاب أفضل ؟ قال: ((أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا قلت فان لم افعل ؟ قال : تعين صانعا أو تصنع لأخرق )) الحديث متفق عليه .
اذا لم تستطيع يا عبد الله أن تجعل يومك عبادة وليلك عبادة فاحرص على ذلك هديت للرشد
والى لقاء آخران شاء الله.
مجلة الفرقان العدد(152 ) تاريخ 9/7/2001
إعداد: الشيخ عبد الله بن خلف السبت
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على رسوله الأمين أما بعد:
أيها الأخوة والأخوات الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ويسعدنا أن نلتقى معكم في حلقات متتابعة ونشرح فيها مسألة مهمة من المسائل المتعلقة بالعلاقة بين العبد وربه ألا وهى العبودية .وقد تساءل المفكرون: لماذا خلقت ؟ والى أين المصير ؟ وهل لهذه الحياة هدف؟ أم أنها فوضى لا هدف لها ؟
شروط قبول العبادة (1-2)
ها نحن نلتقى اليوم معكم لنكمل مسيرتنا للتعرف على حقيقة العبودية لله رب العالمين نسير معا لنحقق هذه الغاية العظمى التي من أجلها خلقنا الله سبحانه وتعالى.
واليوم نناقش أمرا في غاية الأهمية وهو ما هي شروط قبول العبادة.
وقبل أن نلج في الموضوع لنتذاكر معا أيها الأخوة الكرام أهمية هذه القضية فنقول:
إن العبد ليشقى في هذه الدنيا وينصب ثم يأتي يوم القيامة ظانا أنه ملاق عملا صالحا يدخله الجنة فإذا به يواجه الحقيقة المرة التي أخبر الله سبحانه وتعالى بها وهى ((قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً*الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهو يحسبون أنهم يحسنون صنعاً))
(الكهف:103-104) وقوله جل وعلا ((وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً (الفرقان:23).
انظر لنفسك يا عبدالله عندما تقدم على ربك سبحانه هل سترى أعمالك بين يديك أم أنها ستكون هباءً منثوراً؟
وحتى ندرك أهمية المسألة وخطورتها نسوق لكم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حيث نقول (( إني فرطكم على الحوض من مر على شرب لم يظمأ أبداً ليردن على أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم فأقول انهم منى فيقال انك لا تدرى ما احدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدى )).
ومن اجل ذلك حرص الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم عليك يا عبدالله أن لا تطرد عن الحوض وتعال معا نتدبر شدة حرصه صلى الله عليه وسلم على امته فالله عز وجل ذكر ذلك في مواضع شتى منها قوله سبحانه وتعالى : { فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا } [ الكهف :6 ]وقوله تعالى : { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } وقوله { ولا تحزن عليهم } [ فاطر :8 ] وباخع بمعنى : مهلك نفسك بحزنك عليهم .
وقوله جل وعلا في وصف حرص المصطفى صلى الله عليه وسلم على امته { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم } [ التوبة : 128 ]
وأما هو صلوات الله وسلامه عليه فيقول (( مثلى ومثلكم كمثل رجل أوقد نار فجعل الجناب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها وانا اخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدى )) رواه مسلم .
فار رحمك الله إلى جميع أعمالك هل حققت فيها شروط القبول ، أم أنك سرت فيها مع الناس دون نظر وتحقيق !!
ذلكم أن الإحداث في الدين أمره عظيم وشره مستطير ، بل هو أعظم بلية ابتليت بها هذه الأمة بعد أن عجز أعداؤها عن هزيمتها بالسلاح لجأوا إلى تشويه معالم الدين الحق.
مجلة الفرقان العدد(153) بتاريخ 16/7/2001
إعداد: الشيخ عبد الله بن خلف السبت
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على رسوله الأمين أما بعد:
أيها الإخوة والأخوات الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ويسعدنا أن نلتقى معكم في حلقات متتابعة ونشرح فيها مسألة مهمة من المسائل المتعلقة بالعلاقة بين العبد وربه ألا وهى العبودية .وقد تساءل المفكرون: لماذا خلقت ؟ والى أين المصير ؟ وهل لهذه الحياة هدف؟ أم أنها فوضى لا هدف لها ؟
شروط قبول العبادة (2-2)
وانظر رحمك الله إلى ما قرره الإمام الشاطبي رحمه الله حي سيقول الدكتور على بن ناصر فقيهي ما نصه ((إن المبتدع معاند للشرع ومشتاق له ، لان الشارع ، قد عين لمطالب العبد طرقا خاصة ، وعلى وجوه خاصة وقصر الخلق عليها ، بالأمر والنهى ، والوعد ، والوعيد ، واخبر أن الخبر فيها ، والنشر في تعديلها ، لان الله يعلم ونحن لا نعلم وأنه إنما أرسل الرسول رحمة للعالمين .
فالمبتدع راد لهذا كله ، فانه يزعم أن ثم طرقا أخر ، ليس ما حصره الشارع بمحصور، ولا ما عينه بمتعين ، وكان الشارع يعلم ،ونحن أيضا نعلم ، بل وربما يفهم من استدراكه الطرق على الشارع ، وأنه علم مالم يعلمه الشارع .قال :وهذا العمل من المبتدع ، وإن كان مقصودا ، فهو كفر ، وإن كان غير مقصود ، فهو ضلال .
ثم أن المبتدع –بعلمه هذا – وقد نزل نفسه منزلة المضاهي للشارع ، لان الشارع وضع الشرائع وألزم الخلق الجري على سننها ، وصار هو المنفرد بذلك ، لأنه حكم بين الخلق فيما كانوا فيه يختلفون
فالشرع ليس من مدركات العقول ، حتى يضع كل إنسان تشريعا من نفسه ، ولو كان الأمر كذلك لما احتيج إلى بعثة الرسل إلى البشرية .
فكأن هذا المبتدع في دين الله قد صير نفسه نظيرا ومضاهيا للشارع ، حيث عمل على تشريعا مثله ، وفتح باب الاختلاف والرقة .
ثم إن العمل من المبتدع أيضا ، تباع الهوى ، والشهوات ، والله يقول : { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله } [ القصص :50 ] فمن لم يتبع هدى الله في هوى نفسه ، فلا أحد أضل منه.
إن هذا المبتدع في دين الله عز وجل ، الذى جعل نفسه مضائها للشارع ، قد جاء ذمة في كتاب الله وجل ، لا نه من زاغ أزاغ الله قلبه ، إذ الجزاء من جنس العمل فالله يقول : { فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم } [ الصف : 5] وذلك باتباع المتشابه من القران ، وترك محكمه ، ابتغاء تأويله ، أي تحريفه قال تعالى : { هو الذى انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله } [ آل عمران : 4]
فقد صح عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية ـ (( هو الذي أنزل عليك الكتاب} إلى آخر الآية ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم، وفي رواية قال: فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه، هم الذين عنى الله فاحذرهم}.
وقال تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم وكان شيعا لست منهم في شيء} (الأنعام: 159) قال ابن كثير: أي فرق كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات، فإن الله قد برأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مماهم فيه .وكقوله تعالى : { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعكم تتقون } [ الأنعام : 153 ]
ومن أ جل ذلك كان السعي لحماية العبادة من أن يصرف شيء منها لغير الله هو الجهد الأكبر المبذول لدى العلماء على مر السنين ، فاحرص يا عبد الله ألا تضيع عبادتك.
مجلة الفرقان العدد(155) بتاريخ 20/7/2001
إعداد: الشيخ عبد الله بن خلف السبت
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على رسوله الأمين أما بعد:
أيها الإخوة والأخوات الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ويسعدنا أن نلتقى معكم في حلقات متتابعة ونشرح فيها مسألة مهمة من المسائل المتعلقة بالعلاقة بين العبد وربه ألا وهى العبودية .وقد تساءل المفكرون : لماذا خلقت ؟ والى أين المصير ؟ وهل لهذه الحياة هدف؟ أم أنها فوضى لا هدف لها ؟
تنبيه مهم :
قال تعالى { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله } [ القصص : 50] الآية المذكورة عينت للاتباع في الأحكام الشرعية طريقتين : إحداهما الشريعة ، ولا مرية في أنها علم وحق وهدى ، والأخرى : الهوى ، وهو المذموم : لا نه لم يذكر في القران إلا في سياق الذم .ولم تجعل ثم طريقا ثالثا، ومن تتبع الآيات إلى ذلك كذلك
حكم العقل المجرد قاعدة مزلزلة
واذا ثبت هذا ، وأن الأمر دائر بين الشرع والهوى ، تزلزلت قاعدة حكم العقل المجرد ، فكأنه ليس للعقل في هذا الميدان مجال إلا من تحت نظر الهوى ، فهو إذا اتباع الهوى بعينه في تشريع الأحكام
ذم البدع من وجهة النقل : أما النقل من وجوه : أحداها ما جاء في القران مما يدل على ذم من ابتدع في دين الله بالجملة : فمن ذلك قوله تعالى :{ وأن ها صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصآكم به لعلكم تتقون } [ الأنعام : 153 ]
– الصراط المستقيم : فالصراط المستقيم هو سبيل الله الذى دعا إليه وهو السنة .
السبل : والسبل هي سبل أهل الاختلاف ، الحائدين عن الصراط المستقيم ، وهم أهل البدع وليس المراد سبل المعاصي ، لان المعاصي من حيث هي معاص لم يضعها أحد طريقا تسلك دائما على مضاهاة التشريع ، وإنما هذا الوصف خاص بالبدع والمحدثات . وعن مجاهد في تفسير قوله سبحانه : { ولا تتبعوا ا السبل } قال البدع والشبهات .
2-{ وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم اجمعينا } [ النحل :9]
فالسبيل القصد : هو الطريق الحق، وما سواه جائر عن الحق ، أي : عادل عنه وهى طريق البع والضلالات ، وكفى بالجائر أن يحذر منه فالسياق يدل على التحذير والنهى.
3- { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون }الأنعام159. قال ابن عطية هذه الآية تعم أهل الأهواء والبدع والشذوذ في الفروع ، وغير ذلك من أهل التعميق في الجدال والخوض في الكلام هذه كلها عرضة للزلل ، ومظنة لسوء المعتقد والآيات المصرحة والمشيرة إلى ذلك ذمهم والنهى عن ملابسة أحوالهم كثيرة فلنقتصر على ما ذكرنا ، فيه –إن شاء الله –الموعظة لمن اتعظ والشفاء لما في الصدور
الوجه الثاني : ما جاء في الاحاديث : وهى كثيرة ، تكاد تفوق الحصر ، إلا أننا نذكر ما تيسر مما يدل على الباقي فمن ذلك :
ما في الحديث (( الصحيح )) من حديث عائشة –رضى الله عنها –عن النبي صلى الله عليه وسلم ((من احدث في امرنا هذا ما ليسمن فهو رد)) وفى رواية مسلم (( من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد))
ما في الحديث ((الصحيح )) من حديث أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ممن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل إثم من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم من شيئا ))
روى الترمذي وصححه . وأبو داود وغيرهما ، عن العرباض بن سارية قال: (( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، ثم أقبل علينا ، فوعظنا موعظة بليغة ، ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب .فقال قائل: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة لولاة الأمر وإن كان عبدا حبشيا فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين تمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ))
وفى ((الصحيح)) عن حذيفة أنه قال : يا رسول الله هل بعد هذا الخير شر ؟ قال ((نعم قوم يستنون بغير سنتي ويهتدون بغير هدى ))قال : لقت : هل بعد ذلك شر قال ((نعم . دعاة على نار جهنم ، من أجابهم قذفوه فيها )) . قلت : يا رسول الله صفهم لنا قال (( نعم ، هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا )) قلت : فماذا تأمرني إن أدركت ذلك ؟ قال (( تلزم جماعة المسلمين وإمامهم )) .قلت : فإن لم يكن إمامهم ولا جماعة ؟ قال : (( فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)) .هذا باختصار من كتاب اختصار الاعتصام للشاطبي .
ولا أراكا لان يا عبد الله غلا وقد حزمت أمرك إن شاء الله على ترك كل نوع من أنواع الابتداع والحرص على أن تكون عبادتك وفق عبادة التي صلى الله عليه وسلم فالخير كله في إتباعه صلوات الله وسلامه عليه.
مجلة الفرقان العدد(156 ) بتاريخ 6/8/2001
إعداد: الشيخ عبد الله بن خلف السبت
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على رسوله الأمين أما بعد:
أيها الإخوة والأخوات الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ويسعدنا أن نلتقى معكم في حلقات متتابعة ونشرح فيها مسألة مهمة من المسائل المتعلقة بالعلاقة بين العبد وربه ألا وهى العبودية .وقد تساءل المفكرون : لماذا خلقت ؟ والى أين المصير ؟ وهل لهذه الحياة هدف؟ أم أنها فوضى لا هدف لها ؟
أصلا العبادة (1-2)
ذكرنا في الحلقة السابقة على أننا خلقنا الله تعالى ولكن لم نوضح كيف نعبد الله ؟أو بمعنى أدق كيف يمكن التوصل إلى تحقيق رضا الله إذ هو غاية العبادة ؟هل يكون ذلك بإجهادنا البشرى ؟الله الذى طلب منا عبادته حدد لنا الطريقة التي يريد أن نعبده.
لا يشك عاقل أن الإنسان باجتهاده البشرى لن يتوصل لمعرفة مراد الله ولا يستطيع الإنسان أن يعرف ماذا يحب الله وماذا يكره؟ لأن هذا منوط بمعرفة ذاته سبحانه وهذا من المحال.
ولذلك فإن الذين اجتهدوا على مر الزمان لم يحالفهم الحظ في الوصول للغاية التي أرادوا وهى مراد الله فتنوعت وسائلهم وهاموا في الضلال .ولكن هل ترك الله الناس يتيهون بحثا عن الطريق أم دلهم عليه؟
وحيث إن ربنا يتصف بالعدل والحكمة والعلم علمنا أنه لم يترك الناس هملا وإنما دلهم على الطريق ورسمه لهم بعناية فائقة حتى لا يكون لاحد حجة على الله بعد الرسل .
فإرسال الرسل تترى إلى كل قرية وأمة من الناس يدلونهم على عبادة الله ويرشدونهم والشجرة والحيوان وما من شتى إلا وعبد من دون الله تعالى .
وجاءت الرسل لتقول الناس:{ قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ، فكان الجواب ، أنجعل الآلهة إله واحدا إن هذا لشيء عجاب }
ودارت رحى الحرب بين الرسل والناس وكانوا فريقين مؤيد ، ومعارض معاد. ولسنا هنا بصدد بيان أنواع الشرك وإنما نقول إن الإنسان عندما يقرر التبد بطريقته الخاصة فإنه ن يصل إلى مراد الله تعالى وسيتخبط في متاهات الضلال. ولذلك فإن دعوة الرسل الكرام جميعا :{ أن اعبدوا الله مالكم من إله غيره }
ونحن نقرر قاعدتين أساسيتين تقوم عليها العبادة ، ويتوقف بعد الإنسان عن الصواب وقربه من ه بمقدار التزامه بهما أو بعده عنها ، وهما :
ألا تعبد إلا الله
ألا تعبد الله إلا بالشرع
وهذا هو ما قرره علماء الشريعة من الأئمة رضوانا لله عليهم.
وتفصيل ذلك :
لا تعبد إلا الله :
عندما يقرر الإنسان أن يتجه لخالقه بالعبادة فانه أحيانا يضل الطريق ويتيه في دنيا المعبودات الأخرى والإنسانية تاهت قديما وحديثا .
فهناك عباد الله وعباد غيره.
أما عباد الله فان الرسل جاءت اليهم لترشد : فكما قال تعالى :{ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة }النحل36.
وقال تعالى :{ إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون } .الأنبياء92.
ووصف الملائكة والأنبياء بذلك فقال : { وله من في السموات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون* يسبحون الليل والنهار لا يفترون } .الأنبياء19-20.
وقال تعالى : { عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا }.الإنسان6.
فهؤلاء هم عباد الله ويقول الله:{ قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين وأمرت لأن أكون أول المسلمين }.الزمر:11-12.
ويقول تعالى عن الذين ضلوا الطريق : { ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير *إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير{. فاطر:13-14.
وقال تعالى:}ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين{. يونس:106.
وقال تعالى : { أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون قل لله الشفاعة جميعا }الزمر:43-44.
والنصوص في هذا متضافرة وكلها تدور حول إفراد الله تعالى ……………………الجامع في هذا قوله تعالى :{ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا }. الكهف:110.
مجلة الفرقان العدد (157 ) بتاريخ 13/8/2001
إعداد: الشيخ عبد الله بن خلف السبت
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على رسوله الأمين أما بعد:
أيها الإخوة والأخوات الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ويسعدنا أن نلتقى معكم في حلقات متتابعة ونشرح فيها مسألة مهمة من المسائل المتعلقة بالعلاقة بين العبد وربه ألا وهى العبودية .وقد تساءل المفكرون : لماذا خلقت ؟ والى أين المصير ؟ وهل لهذه الحياة هدف؟ أم أنها فوضى لا هدف لها ؟
أصلا العبادة (2-2)
ذكرنا في الحلقة السابقة أننا خلقنا لنعبد الله تعالى ولكن لم نوضح كيف نعبد الله ؟ أو بمعنى أدق كيف يمكن التوصل إلى تحقيق رضا الله إذ هو غاية العبادة ؟ هل يكون ذلك باجتهادنا البشرى ؟ الله الذى طلب منا عبادته حدد لنا الطريقة التي يريد أن نعبده .
وذكرنا أيضا بعض الأدلة التي تدل على أن العبادة تقوم على أصلين وهما : ألا تعبد ألا الله وألا تعبده إلا بما شرع وسنستكمل في هذه الحلقة الأدلة التي تدل على هذين الأصلين .
وعن أبى سعيد الخدري رضى الله عنه قال : كنا نتناوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنبيت عنده تكون له الحاجة أو يطرقه أمر من الليل فيبعثنا .
فكثر المحتسبون وأهل النوب فكنا نتحدث فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ((ما هذه النجوى؟ ألم أنهكم عن النجوى ؟)) قال :فقلنا: تبنا إلى الله أي نبي الله ! إنما كنا في ذكر المسيح وفرقنا منه فقال ((ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم من المسيح عندي ؟)) قال: قلنا: بلى . قال ((الشرك الخفي أن يقوم الرجل يصلى لمكان الرجل )).
وعن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه عز وجل أنه قال :((أنا خير الشركاء فمن عمل عملاً أشرك فيه غيرى فأنا منه برئ وهو للذي أشرك)).
وعن أبى سعيد بن أبى فضالة الأنصاري وكان من الصحابة أنه قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :((إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد :من كان أشرك في عمل عمله لله أحدا فليطلب ثوابه من عند غير الله فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك)).
وعن أنس رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((تعرض أعمال بنى آدم بين يدى الله عز وجل يوم القيامة في مصحف مختتمة فيقول الله :ألقوا هذا واقبلوا هذا فتقول الملائكة :يا رب ! والله ما رأينا منه إلا خيراً. فيقول :إن عمله كان لغير وجهى ولا أقبل اليوم من العمل إلا ما أريد به وجهى )).
وقال جل وعلا((ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن))قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أخلص العمل لربه عز وجل فعمل إيمانا واحتسابا(وهو محسن)أي أتبع في عمله ما شرعه الله له .ما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحق وهذان الشرطان لا يصح عمل عامل من دونهما أي أن يكون خالصاً صواباً والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون تبعا ًللشريعة فيصبح ظاهره بالمتابعة وباطنه بالإخلاص .فمتى فقد العمل أحد هذين الشرطين فسد فمن فقد الإخلاص كان منافقاً وهم الذين يراؤون الناس ومن فقد المتابعة كان ضالاً جاهلاً))أ ه.
وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول((اللهم اجعل عملي كله صالحاً واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا)).
والصحابة عامتهم كانوا يخافون من عدم الإخلاص قال ابن أبى مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم من أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل ))راجع فتح الباري 1/110.
قال تعالى ((إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون*والذين هم بآيات ربهم يؤمنون*والذين هم بربهم لا يشركون*والذين يأتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون*أولئك يسارعون في الخيرات وهم سابقون)) المؤمنون:57:61.روى الترمذي عن عائشة رضى الله عنها :قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقلت :أهم الذين يشربون الخمر ويزنون ويسرقون؟ فقال :لا يا ابنة الصديق ولكنهم يصومون ويصلون ويتصدقون ويخافون أن لا يتقبل منهم .أولئك يسارعون في الخيرات ))رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني.
ومما يؤثر في الإخلاص بل قد يذهب معه العمل الشرك في العبادة فإن هذا الشرك يصدر ممن يعتقد أنه لا إله غيره ولا رب سواه ولكن لا يخلص لله في معاملته وعبوديته بل يعمل لحظ نفسه تارة ولطلب الدنيا تارة ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه.
فلله من عمله وسعيه وجهده نصيب وللشيطان وللخلق نصيب وهذه حال جمهرة من الناس.
فالله جل وعلا كما أنه إله واحد ولا إله سواه فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده فكما تفرد بالإلهية يجب أن يفرد بالعبودية فالعمل الصالح هو الخالي من الرياء المقيد بالسنة وهذا الشرك في العبادة يبطل ثواب العمل .فمن لم يخلص لله في عبادته لم يفعل ما أمر به بل الذى أتى به شيء غير المأمور به فلا يصح ولا يقبل منه ويقول تعالى((أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك معي فيه غيرى فهو للذي أشرك به وأنا برئ منه))في السنن وهو صحيح.
والذى تقرر هنا أن إفراد الله وحده بالعبادة هو أساس الإسلام وما سوى ذلك تبع له ولاحق والذى لا يحقق هذا الأساس فإنما يبنى دينه على أوهام .
أما ما الشرك وكيف يتقى فإنه لهذا موضوعاً آخر إن شاء الله وإنما نحن نركز حول أن أول الأمر إفراد الرب وحده بالعبادة سبحانه وهو معنى قولنا ((أشهد أن لا إله إلا الله)).
فالذي يشهد بأن لا إله إلا الله معناه أنه يقر بهذا وأن جميع المعبودات سوى الله باطلة وضلال وهذا القدر هو الذى نريد تقريره هنا بأن أي معبود سوى الله باطل وضلال فاعرف هذا فإنه لك نافع.
فإذا تقرر هذا الأذهان واستقر لذوى البصائر بقى أن تعرف كيف نعبد الله وهو لقاؤنا القادم إن شاء الله .لا نعبد إلا بما شرع.
مجلة الفرقان العدد (158 ) بتاريخ 20/8/2001
إعداد: الشيخ عبد الله بن خلف السبت
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على رسوله الأمين أما بعد:
أيها الإخوة والأخوات الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ويسعدنا أن نلتقى معكم في حلقات متتابعة ونشرح فيها مسألة مهمة من المسائل المتعلقة بالعلاقة بين العبد وربه ألا وهى العبودية .وقد تساءل المفكرون : لماذا خلقت ؟ والى أين المصير ؟ وهل لهذه الحياة هدف؟ أم إنها فوضى لا هدف لها ؟
*(1) ألا تعبد الله إلا بما شرع:
مضى القول أيها الإخوة والأخوات الكرام أن الله قد شرح لنا من الدين ودلنا على الدرب الذى من سلكه نجا ولزم باب الجنة إن شاء الله.
وقد كمل الدين بقوله تعالى((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً))وكان من تمامه أن جعل درب الجنة هو في اتباعه صلى الله عليه وسلم حيث قال((كل الناس يدخلون الجنة إلا من أبى ))قالو: ومن يأبى يا رسول الله ؟قال((من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ))رواه البخاري .
ومنهج الرسول صلى الله عليه وسلم هو الصراط والباب الذى يلج الجنة بواسطتها بل جعل اتباعه صلوات الله وسلامه عليه دليلاً عن حب العبد لربه سبحانه وتعالى ((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)). آل عمران:31.
والعبد لا يستطيع التوصل لمعرفة مراد الله ولا معرفة ما يحبه ربه ولا ما يبغضه إلا بواسطة الرسول صلى الله عليه وسلم ولذلك قال جل وعلا:((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في صدورهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً)) النساء:65.فهذه الآية كما تلاحظ أخي الكريم أنها جعلت تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم هو الإيمان وأقسم ربنا على ذلك .
بل جعل سبحانه أن ذلك لا يتم حتى تطمئن نفس العبد لهذه الطاعة ومعنى ذلك أنه لا بد من طاعة الجوارح مع اطمئنان القلب لهذه الطاعة وهذا من كمال المحبة له صلوات الله وسلامه عليه. كما جاء في حديث البخاري قال عمر بن الخطاب .لأنت يا رسول الله أحب إلى من كل شيء إلا من نفسى .فقال: ((لا والذى نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك))فقال له عمر: فإنك الآن أحب إلى من نفسى . فقال: الآن يا عمر فهذا هو تمام المتابعة له صلى الله عليه وسلم.
بل إن الله سبحانه هدد من فضل شيئاً من المال أو الأهل على حب الله ورسوله فقال:((قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد ففي سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين )) التوبة:24.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقرر هذه الحقيقة بقوله:((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ))رواه البخاري.
ويزيد هذه القضية بيانا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بقوله:
((وجماع الدين أصلان :أن لا يعبد إلا الله وأن لا يعبد إلا بما شرع لا يعبد بالبدع كما قال تعالى :((فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا))وذلك تحقيق الشهادتين :شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله ففي الأولى أن لا نعبد إلا إياه وفى الثانية أن محمداً هو رسوله المبلغ عنه فعلينا أن نصدق خبره ونطيع أمره وقد بين لنا ما نعبد الله به ونهانا عن محدثات الأمور وأخبره أنها ضلالة قال الله تعالى :((بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)) البقرة:112وكما أننا مأمورون أن لا نخاف إلا الله ولا نتوكل إلا على الله ولا نرغب إلا ففي الله ولا نستعين إلا بالله وأن تكون عبادتنا إلا لله فكذلك نحن مأمورون أن نتبع الرسول ونطيعه ونتأسى به فالحلال ما أحله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه قال الله تعالى :((ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون ))فجعل الإيتاء لله والرسول كما قال الله تعالى ((وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)) التوبة:59.
وهذا يا عبدالله هو تمام معنى قولك أشهد أن محمداً رسول الله فأنت تقرر في الشهادة أن لا إله إلا الله وتشهد أن محمداً رسول الله أي تحقق العبودية لله وعن طريق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فكل عبادة وقربة لله لم تكن على هدى محمد صلى الله عليه وسلم فهي مردودة على صاحبها فاحذر ذلك هديت للرشد بل إن الله جل وعلا هدد من سلك غير سبيله لله بالويل فقال:((ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً)) النساء:115.فأنت يا عبدالله مأمور بالسير على هدى محمد صلى الله عليه وسلم وعلى فهم أصحابه رضوان الله عليهم .
وعليك أن تأخذ جميع عباداتك عنه فقال((خذوا عنى مناسككم))و((صلوا كما رأيتموني أصلى ))بل ذكر في الحديث الجامع ((ومن يرغب عن سنتي فليس منى)).
فالطريق إلى الجنة وهو الصراط المستقيم لا بد أن تسلكه متبعاً هدى النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن أجل ذلك كان التحذير الشديد من مخافته صلى الله عليه وسلم فقال جل وعلا((فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو تصيبهم عذاب أليم)) النور:63 وجعل ربنا الحياة الحقيقية ففي الاستجابة لله وللرسول فقال سبحانه:((يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنكم إليه تحشرون ))الأنفال:24.
وهكذا أيها الإخوة الكرام نكون قد بينا الأصل الذى تقوم عليه العبادة في هاتين الحلقتين وهما: ألا تعبد إلا الله وألا تعبد الله إلا بما شرع.
وإلى لقاء يتجدد نتابع فيه أمر العبودية لله رب العالمين.