الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، والحمد لله الذي جعل الظلمات والنور، والحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، والحمد لله القائل: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النِّسَاء: ١١٥]، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وصحابته الغر الميامين، أما بعد:
فقد اطلعت على ما كتبه راشد الصالح في «الوطن»، بتاريخ ١١/ ١١/ ١٩٩٦م، بعنوان «رحماء بالعلمانيين أشداء على الإسلاميين».
وأقول: لقد ظلمت وافتريت حين قلت ذلك، بل نحن -والحمد لله- رحماء بالموحدين، أشداء على العلمانيين والمبتدعين والباطنيين والخوارج أجمعين.
وحيث إن الكاتب لم يطرح قضية علمية تناقش أو دليلًا يصار إليه، بل سوّد الصفحات كذبًا وظلمًا وتلبيسًا، مستغلًّا عدم متابعة الكثير لما يمر على الساحة، فلبَّس على الناس بما قال وخلط.
وعليه، فإني أجمل ردي عليه بالآتي:
أولًا: لم يذكر أي قول لي قديمًا أو حديثًا يثبت افتراءه بأني دافعت عن العلمانيين، وهو -بفضل الله- وإن اجتمع معه عصابته من الإنس والجن غير واجد ذلك، والفضل لله وحده.
ثانيًا: لم يذكر المدعو ماذا يقصد بالعلمانيين؟! فهل كل من شابه العلمانيين بقولٍ أو مسألةٍ عُدَّ علمانيًّا كافرًا خارجًا من الإسلام؟ حيث إن العلمانية كفر صريح بلا خلاف نعلمه، وبالتالي فإنه يكون قد كفّر طائفة عظيمة من الناس وهم في الحقيقة غير كفار، وهذا ما حذّرْنا منه وبينا خطورة إلقاء القول دون تثبت وبرهان.
لقد سعى بعض الكتاب المنتسبين للحركات الإسلامية إلى وصف كل من طرح فكرًا فيه تشابه بما يطرحه العلمانيون بأنه علماني، وهذا -في الحقيقة- غير صحيح وخلاف الحق وفيه تكفير لهم، وهذا الذي نحن نعيبه ونحاربه وندعو لقول الحق والتثبت في المدح والقدح، ومن نسب إلينا غير ذلك فقد اعتدى وظلم! ونحن نعلم انحراف العلمانية وأنها كفر صريح.
ثالثًا: لقد قلتَ مفتريًا ومطلعًا على القلوب: «بغية منع الإسلاميين من وصف الكتاب، الداعين لفصل الدين عن أمور السياسة والحكم بالعلمنة..».
وأقول: ومن أين جئت بذلك من قولي؟! ولكن ألا ترى أنه لا يجوز وصف من وقع في البدعة أنه مبتدع، ومن وقع في الكفر أنه كافر، وبالتالي من وقع في العلمنة أنه علماني إلا بعد إقامة الحجة والبيان وانتفاء الموانع؟!
رابعًا: أما زعمك أن موقفي: «يفيض رقة ورأفة عند مواجهة العلمانيين، وبين موقفه البركاني الثائر على الجماعات الإسلامية الذي ألحق بها كل نقيصة، وجعلها المسئول الوحيد عن ضياع الأمة».
وأقول: قال الله تعالى وقوله الحق: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُوا﴾ [الأنعَام: ١٥٢]، وما أراك إلا افتريت زورًا من القول وبهتانًا.
ولذلك لم تستطع إثبات باطلك هذا بنقل صريح عني، وكما قلت: ولن تستطيع ولو أسعفك الجن والإنس، وكان بعضكم لبعض ظهيرًا.
أما موقفي من الجماعات الإسلامية؛ فهو -والحمد لله- ظاهر لا نفاق ولا ظلم، فأنا لست ممن يدافع عنهم في الصحافة ويطعن فيهم، ويحرم غير عصابته كل منصب في السر، بل -والحمد لله- أكنّ لهم الاحترام والمودة، وأعاملهم بما يستحقونه حبًّا وبغضًا وفق المعايير الشرعية وعقيدة الولاء والبراء المقررة في كتب أهل العلم، وكل ذلك ظاهر، ولست ممن له وجهان -بل وجوه متعددة أحيانًا -، ولم أغير مذهبي حسب الظروف والمناسبات، كل ذلك ظاهر فيما كتبت والفضل لله وحده.
خامسًا: ويظهر أن الكاتب ليس من أتباع فقهاء الواقع، وإلا لعلم أن الحركة الإسلامية المعاصرة ممثلة بحزب الرفاه التركي قد تصالحت مع العلمانيين، بل وتعاونت معهم، وزاد ذلك زعيم الحزب التركي أن مجد الجمهورية العلمانية التي أسسها كمال أتاتورك، الذي كان رأي كتاب الحركات الإسلامية يسمونه بالصنم!
وقال البعض أيضًا: إنه يجوز التعاون مع العلمانيين، فمن يا أستاذ يمدح العلمانيين، أنا أم الحركة الإسلامية ودعاتها؟!
أما محاضرتي: «الأخطار الداخلية»؛ فيظهر أن الكاتب لم يسمعها أو شاء أن يفتري الزور، وأنصح الإخوة القراء بسماعها، وهي قد جهزت للنشر في رسالة تصدر قريبًا إن شاء الله؛ لتقرَّ بها أعين وتغيظ أهل الأهواء من خوارج العصر الحديث.
ونحن نرى أن الجماعات الإسلامية لا بد وأن تقوم هي بنفسها بتقويم مناهجها لتوافق الحق الذي هو الكتاب والسنة، والعودة لمنهاج السلف والتزامه، وبذلك تصلح لها الدنيا والآخرة، ونحن نرى أن من تمام النصح كشف الأخطاء حتى لا يُخدع الأتباع وتجر البلاد لدمار وثورات تهلك الحرث والنسل.
وهاك وما كتبه أحد أعلام الحركة الإسلامية الدكتور الفاضل/ ناصر العقل في كتابه الجيد النافع: «مقدمات في الأهواء والافتراق» ص١١، قال: «ورفعت باسم الدعوة شعارات التجميع والتلفيق، بين أهل البدع وبين أهل الهدى باسم المصلحة ووحدة الصف وجمع الكلمة، حتى ضاق بعض المفكرين والمثقفين والدعاة الذين لا يفقهون بالسنة والسلف ظنًّا منهم أن ذلك يمثل حجرًا على الناس وتفريقًا للأمة، وما علموا أن الله تعالى لا يجمع الأمة على ضلالة، وأن الاعتصام وجمع الكلمة لا يكون إلا على الحق والسنة، وما ذلك إلا عن جهل بالسنة أو عن هوى أو التباس، وبعض الاتجاهات الإسلامية الحديثة يعد امتدادًا للفِرَق القديمة الهالكة والبدعية الطرقية الضالة».
نصح الكاتب والنصيحة تُقْبَل ولو من إبليس، لقوله ﷺ: «صدقك وهو كذوب»، ويقال: النصيحة تجنب سب الدعاة.
فأين سبنا لهم يا حضرة الأستاذ!! دلنا عليه لنتوب منه، ثم لمزك لنا بالأسلوب المخابراتي، وكذبك علينا أليس هذا من السب أم أنه لكم حلال؟
وأخيرًا: لنا أن نسأل، ولعل الكاتب لديه الجواب، وهو: هل التصادم مع الحكومات وعمل الثورات، وما يجري في الجزائر وغيرها جهاد وحق؟ ومن سُجن من هؤلاء كان مظلومًا أم أنه الفساد والدمار؟
أما نحن فنرى أن ما يجري من عنف وثورات أسبابه متعددة ومشتركة بين الأنظمة وبين الجماعات، وقد بسطنا ما نراه في أماكن متعددة دون مجاملة لأحد.
وإنا لنعتقد جازمين أن الأمة لن تخرج من أزمتها إلا بالرجوع لما قعّده إمام السلفية في هذا العصر، الشيخ/ محمد ناصر الدين الألباني -حفظه الله- بقاعدتين: التصفية والتربية، والله غالب على أمره.