شروط الانتفاع بكلمة التوحيد

مما تقرر في الإسلام أن أول كلمة يقولها مَنْ أراد الدخول في الإسلام هي الشهادة، وهذه الشهادة عظيمةُ المكانة؛ إذ إنها تحجز صاحبها عن النار وتحرّم ماله ودمه، وإن من قالها مخلصًا بها محققًا شروطَها دخل الجنة.

ومما يؤسف له أن كثيرًا من الناس يقولونها دون علم بها ودون إدراك لها، مع أن الله أمر بالعلم بها: ﴿فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلـٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ﴾ [محمد: ١٩].

ومما يعجب له أن كفار قريش كانوا على علم بها أكثر من كثير من الناس الآن، وكم مَنْ يرددها وهو يرتكب ما يضادُّها ويفسدها، ولذلك لا بد من معرفة الشروط العامة للانتفاع بها.

واعلم أنك بمقدار التزامك هذه الشروط وسعيك لتطبيقها تنال بركة هذه الكلمة التي عدلت سجلاتٍ من الذنوب، فاحرص على تدبرها تفز ورب الكعبة، وشروطها بإيجاز:

١. العلم بمعناها والمراد منها، نفيًا وإثباتًا، ﴿فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلـٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ﴾. 

وفي الحديث الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه قال: «من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله؛ دخل الجنة»، وهذا العلم يشمل العلم بأسماء الله وصفاته كلها.

٢. اليقين وهو اليقين المنافي للشك، بأن يكون قائلها مستيقنًا بمدلول هذه الكلمة يقينًا جازمًا؛ فإن الإيمان لا يغني فيه إلا علم اليقين لا الظن، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُوا بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ﴾ [الحجرات: ١٥].

وكما جاء في السنة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال رسول الله ﷺ: «اشهدْ أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبدٌ غير شاكٍّ فيهما فيحجب عنه الجنة».

٣. القبول، ونقصد به قبول ما تقتضيه هذه الكلمة وقولها والعمل بها، وقد أخبر الله عن الذين ردوها ولم يقبلوها فقال: ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَٱنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ﴾ [الزخرف: ٢٣-٢٥].

أما الذين قبلوها وعملوا بها؛ فكان حالهم كما قال الله: ﴿إِلَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ * أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ * فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ﴾ [الصافات: ٤٠-٤٣].

٤. الانقياد لما دلت عليه، المنافي لترك ذلك، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ [النِّسَاء: ١٢٥]، والانقياد يعني أن ينقاد الإنسان عقيدةً وسلوكًا ومظهرًا، وليس الانقياد مجرد اللفظ أو تطبيق بعض الأمور دون بعض.

٥. الإخلاص وهو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك، قال تعالى: ﴿قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي﴾ [الزمر: ١٤]، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ ٱلدِّينَ﴾ [الزمر: ١١]، والإخلاص هو رأس الأمر وعليه مدار القبول.

٦. المحبة، وذلك بأن يعمر القلب محبة هذه الكلمة وأهلها، والناس إما محب لله أو محب لأعدائه ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ ٱللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٦٥].

هذه بعض شروط الانتفاع بكلمة التوحيد، أرجو أن نراعيها ونسعى للعمل بها، وليست العبرة بالتلفظ بها بقدر وَعْيِها والعملِ بها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *