تتنازع المسالك إلى الله مناهج متعددة وطرقًا مختلفة، ويحار الناشئ فيها ويصعب عليه اختيار الطريق المستقيم؛ إذ إنه مأمور بذلك، ويسأل الله كل يوم هداية الصراط المستقيم، وخاصة أن الجميع يزعم السير وفق الكتاب والسنة.
وقد اختلف الناس في أمر المنهاج والسير، بل اختلفوا في كل شيء، بدءًا من القرآن وكيفية فهمه وانتهاءً بكل صغيرة.
والسعي لنشر الإسلام لا بد وأن يقترن بالسعي لتحديد مفهوم الإسلام ومدلول الكلمة؛ إذ إن كلمة «إسلام» تعني في العصر الأول وما بعده بقليل المعنى النقي الشامل لها، ولكن بعد دخول الأمم المتنوعة في الإسلام، وبعد ترجمة كتب اليونان وغيرها دخل على الكلمة تحوير وتحريف، وقد ساهم أعداء الإسلام من أرباب الملل الباطنية في تشويه معنى الإسلام، وكلما بعد البَوْن بين المصدر الأول وبين المتأخرين كانت الفرصة للتشويه أكثر وأكثر.
واليوم نشاهد عودة الإسلام والدعوة إليه، وقد كثر الداعون لهذا، وحتى لا يحمل الإسلام ما ليس منه ويُشوَّه بحجة العودة له؛ فإننا نجزم أن العودة للإسلام لا بد وأن تكون وفق أسس سليمة، وهي:
١. لا بد من تمييزٍ بين الغَثّ والسمين، بين الباطل والحق، ولذلك فلا بد من قيام حرمة تصحيحية تُرجِع الناس إلى المصدر الأول، وتلتزم تنقية الإسلام من جميع الشوائب.
وهذه الحركة والثورة التصحيحية يجب القيام بها قبل الدعوة للإسلام؛ إذ لا بد من تحديد وبيان هوية الكلمة التي سيدعو لها.
أما ما يُشاهَد الآن من دعوة وصراخ دون تحديد للهُوِيّة وبيان لها؛ فإن ذلك يؤدي حتمًا إلى مزيد من التعتيم والتضليل، ولا يؤدي إلى دعوةٍ للإسلام الذي جاء من السماء؛ ذلك أن كثيرًا جدًّا من الدعوات تدعو إلى الإسلام بصفة رجال غير النبي محمد ﷺ.
ولذلك فلا بد من عودة للإسلام المصفى، وبغير هذه التصفية لا يمكن للإسلام أن يقوم، وما يشاهد الآن إنما هو ترقيع لا غير.
٢. وبعد هذه التصفية الشاملة للإسلام من جميع الشوائب لا بد من التربية السليمة والسلوك وفق العقيدة النقية؛ إذ إن الإسلام عقيدة وعمل وليس مجرد قضايا فكرية يدورون حولها.
وحتى لا ينحرف الدارس للإسلام وتضل به الطرق، نسوق له هذه الضوابط لفهم الإسلام، وهي:
١. لا يمكن فهم الكتاب والسنة إلا وفق لغة العرب، وكما بيَّنها علماء العربية.
٢. وبما أن الأفهام في اللغة مختلفة، واللغة تحتمل التأويل؛ فلا بد من التزام تفسير وتطبيق الصحابة للنص، وهذا القيد -هو التزام تطبيق الصحابة- ضروري وهو العاصم من الزلل؛ لأنهم الشريحة التي قامت بالتطبيق، وعليها نزل الإسلام، وتحملت المشاقّ في ذلك.
وبهذا القيد نضمن سلامة السير، وبهذا القيد يرد على الفرق الضالة قاطبة، إذ إن الكل يدَّعي السير وفق الكتاب والسنة، وعند التطبيق العملي يظهر الانحراف؛ إذ إن التفسير يخضع للأهواء والاتجاهات، وكلٌّ يزعم أنه يسير وفق السنة، ولكن عندما تسأله: من سبقك بهذا يحار ولا يجيب.
فهذه الضوابط أساسيات لازمة لمن يرغب السير إلى الله سالكًا طريق ﴿ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَاءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: ٦٩]، وهذه ذكرى!