كيف نقي البلاد والعباد شر هؤلاء؟!
(١-٢)
الحمد لله الذي خلق فسوى، عالم الغيب والشهادة، إذ وصف -سبحانه- بعض مرضى النفوس من عباده: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي ٱلْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ﴾ [البقرة: ٢٠٥]، ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي ٱلْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: ١١، ١٢].
ولقد ابتُليت الأمة المسلمة عبر تاريخها بدسائس ومؤامرات حِيكَتْ لها من يهود ونصارى ومجوس وغيرهم، وشعارهم كلهم: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾ [النساء: ٨٩]، ونجحت الأمة عبر تاريخها في التصدي لهذه المؤامرات والفتن، وكان النصر حليفًا لها مصداقًا لقوله تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَى وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: ٣٣].
إلى أن جاء عصرنا هذا، حيث أعرض السواد الأعظم من الناس عن الحق وأعرضوا عن ذكر الله، فجاء الذل والهوان وعاشوا في ضعف وذل مصداقًا لقوله تعالى: ﴿قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا﴾ [طٰه: ١٢٣-١٢٥].
عودة الخوارج:
وها هي العجلة لتعيد أمثال فرق الضلال القديمة كالخوارج والقرامطة والخرمية والزنج، ويتجدد في الأمة القتل والنهب، والغريب أن معظم هذه الفتن قد ظهرت في العراق المنكوب منذ عهد علي -رضوان الله عليه- وإلى اليوم.
سُبُل العلاج:
ونحن بعد أن قدمنا في مقالات أربع من «إرهاصات ما قبل التفجيرات»، وقد نُشرت في «الرأي العام الكويتية» فيما مضى؛ نأتي اليوم لنختم بخامس مكمل في علاج مقترح لعله يوقف النزيف ويُرجِع القوم للحق، فأقول:
أولًا: يجب أن يعلم الكل أن الفتن علاجها ليس بالعاطفة والتباكي والإغراق في الأعذار، وأن الأمة في تاريخها مرَّت بهذه الفتن، فكان علاجها بالأمور التالية:
أ. إقناع وحوار وبيان للحق، كما حصل في عهد علي -رضوان الله عليه- ومعاوية -رضي الله عنه- وعمر بن عبد العزيز، والمأمون، وغيرهم، ولكن يكون الحوار لمن هو بنفسه يقرر، أما مسلوب الإرادة فهذا عقله مع غيره.
ب. قتال واستئصال هؤلاء وإقامة الحدود عليهم حمايةً للدين، فيجب أن يعتقد أن قتالهم دين وقُرْبة يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا مقرر في الإسلام بما لا يحتاج إلى شرح، ومن ذلك قوله ﷺ: «فأينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة» متفق عليه، وقد طبّق هذا الخلفاء رضوان الله عليهم.
ثانيًا: لا يلزم أن تزول هذه الفئة المارقة، ولكن العلاج لازم، والكل عليه فعل ما يستطيع، ويمكن تقسيم الأمر إلى:
أ. علاج الأهل:
قرر الإسلام أن المرء على دين خليله… حرص الوالدين على النظر في حال أصدقاء ولدهما، وأين يذهب؛ لمنعه من رفقة السوء، فعندما وقعت فتنة الخوارج منع الكثير أبناءهم من الذهاب، كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير، فقال: «لقد تدارك جماعة من الناس بعض أولادهم وإخوانه فردّوهم، فمنهم من استمر على الاستقامة، ومنهم من فرَّ بعد ذلك فلحق بالخوارج، فخسر إلى يوم القيامة».
فالواجب على الوالد النظر والمنع؛ حتى لا يخسر ولده في الدارين.
ب. علاج العلماء:
أمر الله -جل وعلا- بطاعة العلماء والالتفاف حولهم، وهم يجب عليهم البيان ورد الشبهات؛ فإن أهل العلم هم صمام الأمان، ولذلك فقد حاور عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- الخوارج ورجع معه أكثر من ألفين، وحاور جابر بن عبد الله الخوارج ورجع كثير منهم للحق، فالعلماء عليهم واجب عظيم تجاه بيان الحق وإقامة الحجة والبرهان.
(٢-٢)
بعد أن قدمنا في مقالات أربع من «إرهاصات ما قبل التفجيرات»، وقد نشرت في «الرأي العام الكويتية» فيما مضى؛ نأتي اليوم لنتمم ما بدأناه من سبل العلاج المقترحة؛ لعله يوقف النزيف ويرجع القوم للحق، وقد أوردنا فيما مضى علاج الأهل وعلاج العلماء.
جـ. علاج الحكومات:
لقد جعل الله صلاح الأمة لذي السلطان، وأمره بالحرص على أمن العباد والبلاد، وجعل طاعته واجبة لازمة، وهناك مجمل أمور لو عمل لها لكانت تحمي الشباب من الانحراف:
١. رصد الأفكار المطروحة وتقديمها للعلماء للرد عليها، وتفنيد هذه الأفكار إن كانت منحرفة.
٢. متابعة الكتب والأشرطة والمقالات، والحد منها سدًّا للذريعة، كما أنكر رسول الله ﷺ على الفاروق عمر بن الخطاب القراءة في الصحيفة.
٣. طبع نشرات وكتب، وعقد ندوات تعالج هذه المشكلة وتشرح أفكار هؤلاء للعامة.
٤. غربلة وسائل الإعلام من كل ما يؤدي إلى تشجيع الثورة والتهيج.
٥. النظر فيما ذكروه من مخالفات وإزالة ما يخالف الشرع، قال ابن مسعود: «من جاءك بالحق فاقبل منه وإن كان بعيدًا بغيضًا، ومن جاءك بالباطل فاردده عليه وإن كان قريبًا حبيبًا»؛ لأن إزالة مظاهر الفساد تعين على الإصلاح.
٦. إظهار الإسلام الصحيح وتكريس ربط الشباب بالعلماء، قال مالك: «بكى ربيعة يومًا بكاءً شديدًا، فقيل له: أمصيبةٌ نزلت بك؟ قال: لا، ولكن استُفْتِيَ من لا علم عنده، وظهر في الإسلام أمر عظيم».
قال ابن مسعود: «لا يزال الناس صالحين متماسكين ما أتاهم العلم من أصحاب محمد ﷺ ومن أكابرهم، فإذا أتاهم من أصاغرهم هلكوا به»، فإذا كثفت جميع الجهود، وبذلت الأسباب؛ فإن خطر هؤلاء سيضعف، وتأثيره على الشباب سيندحر بإذن الله.
لكن إذا بقيت وسائل الإعلام تجعجع ليل نهار بالخطب الرنانة، والفتاوى الضالة، والحماسة للشباب، ثم نأتي نشتكي الحال؛ فلا ريب أننا نحن الذين نكون ألقيناهم في التهلكة، فدِرْهمُ وقايةٍ خيرٌ من قنطار علاج، هذا والله المستعان.