ما هكذا يؤرخ للجماعات

ردًّا على د. جاسم مهلهل الياسين

اطلعت على مقال للدكتور/ جاسم مهلهل الياسين في جريدة «الوطن» بتاريخ ٧ من جمادى الآخرة ١٤١٧هــ حول الحركة الإسلامية في المغرب، والمقال عبارة عن تلميع لحركة واحدة وهم «الإخوان المسلمون».

ولست في بيان ما يتعلق بالحركات في المغرب سواء أكان مصيبًا أم مخطئًا، فأهل المغرب أعلم به مني، وسيقومون بالرد!!

وإنما الذي أزعجنا هو هذا الهجوم القوي على السلفيين، وهذا خلاف العدل والإنصاف، والله -جلَّ وعلا- يقول: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [الأنعام: ١٥٢]، والرسول ﷺ يقول: «الظلم ظُلُمات يوم القيامة»، ولم يذكر لنا الدكتور من أين استقى معلوماته، وهو يعلم أن الخصوم لا يقبل قولهم؟ فهل أرشدنا الدكتور إلى مصدر معلوماته؟!!

وقبل أن نأتي على أقوال الدكتور، لنا معه وقفات:

الأولى: أن الكتابة التاريخية تختلف عن القصص والكتابة العاطفية، فلا بد من توثيق المعلومات وعزوها لمصادرها، وخاصة أنها تؤرخ لأهل المشرق عن أهل المغرب، والدكتور لم يذكر مصدر معلوماته!

الثانية: أنه لم يذكر عن الحركات التي ذكرها ما هو انتماؤها الحركي سوى التبليغ والسلفيين، فهل الحركات الأخرى تتبع أفكار الإخوان المسلمين أم حزب التحرير أم التكفير؟!

ثالثًا: ما ذكر الدكتور ما هو التصور العقائدي لهذه الحركات، فهل هي في العقيدة سلفية أم على عقيدة الخلف من الأشاعرة وغيرهم، أم هل هي صوفية أو رافضة؟!!

المهم لم يذكر الدكتور ما الخط العقائدي الذي تسلكه هذه الحركات، وما هو موقفها من الحكومات.

رابعًا: ذكر أن موقفها من السلطة المغربية أنها سجنت أبناء الحركة، فهل هم يرون الثورة والتكفير؟ وما سبب السجن؟!

هذه مجرد وقفات سريعة، ولْنَعُدْ الآن لما ذكره الدكتور.

أولًا: قوله: «أما السلفيون فهم قلة، ودعوتهم غير منسجمة مع الناس؛ حيث إنها تدعو للتكفير».

قلت: لم يذكر الدكتور مصدره، ومن أين استقى هذه القضية الكبيرة، حيث إن الاتهام بالتكفير -بل إن ما تدعو إليه- أمر عظيم، والدكتور يعلم أن رمي الناس بالتكفير قد يجر للتكفير.

ويظهر أننا بحاجة لأن نُذَكِّر الدكتور بالآتي:

١. أن السلفيين عبر تاريخهم وقفوا ضد الحركات التكفيرية، ولم نعلم أن جماعة حاربت التكفير أكثر من السلفيين، ولكن كما يقال: «رمتني بدائها وانسلّت»، فهذه كتبنا، فهل تكرم الدكتور وأظهر كتب قومه حتى يعرف الناس من المكفّر من غيره؟

٢. إن عامة جماعات التكفير المعاصرة نشأتها إخوانية، وعامتها تتبع سيد قطب وأفكاره التي تؤدي إلى القول بتكفير المجتمع.

٣. أن حركة الإخوان المسلمين -والقطبية منهم بالأخص- هم الذين يُكَفِّرون ويدْعون للخروج والثورة، وعلى هذا يفسر صراعهم مع الحكومات.

ثانيًا: قوله: «ومن رموز هذه الحركة محمد المغراوي «مراكش»، وله أشرطة وكتاب يهاجم فيه الشيخ/ ياسين».

قلت: أما الشيخ/ محمد المغراوي -حفظه الله- شهد له علماء المغرب بلا منازع، وحصل على شهادة الدكتوراه من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، ونشاطه في عموم المغرب محاضرًا وداعيةً إلى الله مشهورٌ معلوم.

أما كونه هاجم رموز الحركة؛ فلماذا لم يذكر لنا الدكتور سبب الهجوم؟ إني أطالب الدكتور بأن ينقل للقراء سبب الهجوم وأترك الحكم لهم!

ثالثًا: وقوله: «إن الدعوة السلفية في المغرب كانت في البداية حركة تصوفية دخلت إلى المغرب مع الدكتور/ تقي الدين الهلالي في ١٩٦٤م، وأنها لا تمثل كيانًا حركيًّا يدعى له ويعلن له، وإنما هي دعوة متفرقة في بعض المدن».

فقلت: سبحان الله! ما هذا الافتراء والظلم حتى للأموات؟ ولماذا هذا التشويه للتاريخ؟ فالهلالي -رحمه الله- كان صوفيًّا عندما كان في المغرب، ثم هداه الله للسلفية، فألَّف فيها كتبًا ونشر الحق، وكان إمامًا في عموم المغرب العربي، بل مجاهدًا عظيمًا ضد الاستعمار في ذلك الوقت.

فإن كان الدكتور يجهل من هو الهلالي، فهلا سأل -خاصة وهو يؤرخ- فإنما دواء العي السؤال.

وعلى كلام الدكتور تكون السلفية هي أقدم حركة دخلت المغرب!! فلماذا لم ينصفها؟ وكيف تجتمع السلفية والصوفية؟

رابعًا: ذكر «أن التنسيق بينهم شبه معدوم..».

قلت: وهذا أمر لا علاقة له بالمنهاج والدعوة، ولا يعاب الناس فيه، وهذا قد ذكره عن جميع الحركات الموجودة في المغرب، فلماذا لم يعبها به؟!

خامسًا: قوله: «خلاصة القول: أن الدعوة السلفية في المغرب قد تحجمت الآن، وهمّشت نفسها بسبب هجومها على الحركة الإسلامية ورموزها من جهة، وبسبب الاختلاف الصارخ فيما بين رموزها من جهة ثانية، وبالنسبة لنشاطهم فقد انحصر بشكل كلي تقريبًا في جمعيات دار القرآن».

قلت: الحق خلاف قولك؛ إذ إن الدعوة السلفية الآن منتشرة بين الشباب في الجامعات والمدارس والشارع العام، والكتاب السلفي هو الرائج!!

والعجب أن الدكتور لم يتعرض لعزوف الناس عن جماعة الإخوان وقيادتهم، خاصة بعد حرب الخليج وغزو صدام.

والخلاصة:

أولًا: أن الحركة السلفية هي الأقوى في المغرب العربي والأظهر، ومدارسها منتشرة، وكتبها بين الشباب هي الأوسع انتشارًا.

ثانيًا: أن حركة الإخوان كل يوم تلبس لباسًا جديدًا لتلمع نفسها، لكن الناس عنها عازفون، فتضطر لتبديل جلدها، أما السلفيون فهم ظاهرون واضحون وهذا دليل قوة، والحمد لله.

ثالثًا: أن السلفيين في المغرب العربي وغيره أبعد الناس عن التكفير، وغيرهم هو الواقع في التكفير والاتهام بالعلمانية للناس.

وإني أرجو من الدكتور أن ينظر للأمور نظرة إنصاف، وأن يعلم أنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد! واحرص ألّا يكون خصومك عند الله دعاة التوحيد، والله غالب على أمره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *