معاوية بن أبي سفيان الفاتح العظيم، وكاتب الوحي

لقد كُتِب عن دولة بني أمية الكثير، ولكن ما يلاحظ أنه كتب في عهد بني العباس، فجاءت أكثر هذه الكتابات مشوِّهة تاريخ بني أمية، وأكثر الناس نصيبًا من هذا التشويه مؤسس دولة التابعين، وكاتب الوحي، وحليم العرب، معاوية وابنه يزيد رضوان الله عليهما، وحتى نزيل بعض هذا التشويه ننقل اليوم من المصادر الصادقة ما قيل في هذا الصحابي الجليل والفاتح العظيم.

روى الإمام البخاري في صحيحه والإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي ﷺ نام القيلولة في قُبَاء عند أم حَرَام بنت مِلْحان زوجة عبادة بن الصامت، ثم استيقظ ﷺ وهو يضحك، فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: «ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ظهر هذا البحر ملوكًا على الأسِرَّة». قالت بنت ملحان: فقلت: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلني منهم. فدعا لها رسول الله ثم وضع رأسه، ثم استيقظ وهو يضحك، فقلت: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال: «ناس من أمتي عُرِضوا علي غُزَاة في سبيل الله»، كما قال في الأول، قالت: فقلت: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلني منهم. قال: «أنت مع الأولين». أي: من الجماعة التي رآها في منامه الأول، فركبت البحر في أسطول معاوية، فصُرِعت عن دابتها حين خرجت من البحر، فماتت هناك.

قال الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية»: «يعني جيش معاوية حين غزا قبرص، ففتحها سنة (٢٧) أيام عثمان بن عفان، وكانت معهم أم حرام، وماتت هناك، ثم كان أمير الجيش الثاني يزيد بن معاوية في غزوة القسطنطينية، وهذا من أعظم دلائل النبوة».

قال محب الدين الخطيب: «وكما أن هذا الحديث الثابت من دلائل النبوة؛ فإنه من أعظم الشهادات، فالنائب لمعاوية وابنه الذين يبغضون الصحابة».

وروى الحافظ ابن كثير، عن سعد بن أبي وقاص -أحد المبشرين بالجنة- قال عن معاوية: «ما رأيت أحدًا بعد عثمان أقضى بحق من صاحب هذا الباب»، يعني معاوية.

وقال أبو الدرداء لأهل الشام: «ما رأيت أحدًا أشبه بصلاة رسول الله ﷺ من إمامكم هذا»، يعني معاوية.

وروى الإمام الترمذي عن أبي إدريس الخولاني -من كبار علماء التابعين- أن في عهد عمر بن الخطاب لما عزل عُمَيْر بن سعد الأنصاري عن إمارة حمص وولى عليها معاوية؛ قال الناس: عزل عميرًا وولى معاوية. وكان عمير يقال له: نسيج وحده. فقال عمير: لا تذكروا معاوية إلا بخير؛ فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «اللهم اهدِ به»، فعمير شهد بهذا مع أنه معزول، وهو من زهاد الأنصار، فهي شهادة كبرى، ومعاوية أهلٌ لها.

ويقول عنه عبد الله بن عباس، قيل له: هل لك في أمير المؤمنين معاوية؛ فإنه ما أوتر إلا بواحدة؟ فقال: إنه فقيه.

قال: كنا عند الأعمش، فذكروا عمر بن عبد العزيز وعدله، فقال: فكيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا: في حلمه؟ قال: «لا والله في عدله».

قال ابن تيمية: «لم يكن من ملوك الإسلام ملك خير من معاوية، ولا كان الناس في زمان ملك خيرًا منهم في زمن معاوية إذا نُسبت أيامه إلى أيام من بعده، وإذا نسبت إلى أيام أبي بكر وعمر ظهر التفاضل».

ونقل القاضي ابن خلكان في «وفيات الأعيان» عن أبي علي الغساني؛ أن الإمام المجاهد عبد الله بن المبارك سئل: أيهما أفضل: معاوية بن أبي سفيان أم عمر بن عبد العزيز؟ فأجابهم: «والله إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله ﷺ أفضل من عمر بن عبد العزيز بألف مرة، صلى معاوية خلف رسول الله ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: «سمع الله لمن حمده»، فقال معاوية: «ربنا ولك الحمد»، فما بعد هذا؟!».

وابن المبارك هذا قال عنه أحمد بن حنبل: «لم يكن في زمان ابن المبارك أطلب للعلم منه»، وقال عنه الفُضَيْل بن عِياض وهو واقف أمام الكعبة: «ورب هذا البيت، ما رأت عيناي مثل ابن المبارك».

ولما شهد له بهذه الشهادة العظيمة؛ كان في دولة بني العباس، فهي شهادة أريد بها الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *