إن الناس في حياتهم أمام صراع متجدد ومعركة متصلة، يفرضها التفاعل بين نوازع الخير والشر، والحق والباطل، والهدى والضلال، وقد مضى أمر الصراع في حياة الإنسان في هذا الإطار، وكانت المعركة في حقيقتها بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وما ينعكس من ظواهر الصراع إن هو إلا تعبير وتجسيم لحقيقة هذا الصراع الدائم الدائب الذي بنى الله عليه أمر الناس وحياتهم: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلْأَرْضُ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ﴾ [البَقَرَة: ٢٥١].
وإذا كان «الفساد في الأرض» إنما هو في حقيقته كل ما يؤدي إلى التنكر لشريعة الله سبحانه التي أرسل بها رسله، والتي وضعت موازين الحق والعدل لحياة الناس، فإن منهج الإصلاح الذي حملت النبوة أعباءه كان هو المنهج الوحيد الأصيل لإحقاق الحق ودَرْء الفساد واجتثاثه، ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا ٱلْإِصْلَاحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هُود: ٨٨]، وهو منهج مستقلّ بذاته في مصدره، متميز في أهدافه ووسائله.
وصورة التفاعل بين هذا المنهج الإسلامي المتميز وما حوله تتم في إطار التناقض والاحتكاك التلقائي الذي يفرضه التقاء عنصرين ينعدم الانسجام بينهما، ويصرّ أحدهما على الحل محل الآخر.
وهنا ووفق أسلوب المنهج الإسلامي الذي لا يقبل أن ينازعه غيره من المناهج على التحكم في حياة البشر؛ فإن الواقع الاجتماعي لأي جماعة من الناس يبتعد عن الإسلام كلما فقد الانسجام مع منهجه وتعاليمه، وكلما تعارض في تصوراته وأنظمته ومعاملاته عن تلك التصورات والأنظمة والمعاملات التي يقررها الإسلام.
وصفة الإسلام بالنسبة للفرد أو للجماعة أو للدولة تتحقق بمدى ارتباطهم بأحكامه وتعاليمه، ومدى التزامهم بوسائله وأهدافه.
وقد وضع المنهج الإسلامي نفسه ميزانًا دقيقًا يستطيع الناس دائمًا أن يقسموا عليه أنفسهم وأحوالهم؛ ليتبينوا مدى اتصافهم بصفة الإسلام أو مدى ابتعادهم عنه.
والقضية -على الحالين- جد لا هزل فيه، فأنت إما أن تكون في صف الإسلام؛ فأنت من جند الرحمن، تلتزم أوامره، وتهتدي بهديه، وتعيش وفق أحكام دينه القويم.
أو تكون في صف الشيطان؛ تعادي الله وتحادّه، وتعصي أوامره، وتتنكب عن هديه، وتنتهج غير سبيل الله.
وكل سبيل غير سبيل الرحمن هي سبيل الشيطان مهما كان اسمها، وأيًّا كان وصفها، أو ما اتخذته من وسائل الخداع والتمويه أو اتخذه له أصحابها من أساليب التبرير أو التزوير، فماذا بعد الحق إلا الضلال.
وعندما يستشعر المرء للحظة واحدة أنه سيجد خارج إطار الإسلام ونظمه ما هو خير منه؛ فقد خطا خطوته المدمرة المهلكة إلى مهاوي الردى؛ لينضم إلى القطيع الضال الهالك.
وقد ختم الله رسالاته إلى الناس بهذه الرسالة العظيمة التي قام نبينا -عليه الصلاة والسلام- بتبليغها إلى كافة الناس، فكان أسلوب التبليغ نفسه منهجًا ثابتًا لاتباع هذه الرسالة إلى الناس كافة جيلًا بعد جيل، وهم الشهداء على الناس بما استحفظهم الله تعالى من هذا الحق المبين، ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البَقَرَة: ١٤٣].