مجلة ((الفرقان))، العدد (94)، تاريخ 1/2/1998م
لعل من الإنصاف أن نولي الدعاة إلى الله مزيداً من التواصل والاهتمام بسيرتهم، والوقوف على أهم محطات حياته؛ لنستلهم منها العبرة والعظة، ونتابع نهجهم الدعوي في الوصول إلى الحق على هدى وبصيرة، ونطلع على تجاربهم في ميدان الدعوة إلى الله، ولقاؤنا في هذه الحلقة مع الشيخ الفاضل عبدالله السبت ـ الداعية الإسلامي المعروف ـ.
الفرقان: هل لكم أن تعرفوا بأنفسكم؟
السبت: نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى، أما التعريف؛ فأنا من أنصار أن الحي لا يعرف كثيراً، وأنا عبدالله السبت، ومن مواليد سنة 1948م، وأسكن منطقة الفيحاء، ومنها بدأت الدعوة.
الفرقان: من هم مشايخ عبدالله السبت؟
السبت: في الحقيقة أننا لما بدأنا التدين ـ ولا أقول الالتزام؛ لأنها كلمة مطاطة ـ وقد بدأت التدين بالصلاة، ثم لازمت جماعة التبليغ في الستينات (1965 ـ 1967م) في الفيحاء آنذاك، وبعد ذلك ظهر بعض المشايخ الذين يدعون إلى منهج السلف، ولهم دروس في ذلك، أمثال: الشيخ محمد الأشقر، والشيخ عمر الأشقر، والشيخ عبدالرحمن عبدالخالق، والشيخ مصطفى زريول، والشيخ رجب عبدالله العرادة؛ كانوا قدموا من المملكة العربية السعودية معاً، وتوزعوا للدعوة في الكويت، وكانوا أول من بدأ الدعوة بين الشباب في ذلك الوقت.
في حين لم يكن في الساحة سوى تيار ((الإخوان المسلمون)) المتمثل في جمعية الإصلاح الاجتماعي، وتيار جماعة التبليغ.
ولما اتضحت لنا الصورة فيما بعد؛ وجدنا أن منهج جماعة التبليغ لا يكفي، فتوجهنا إلى طلب العلم لدى المشايخ المبرزين، ولم يكن آنذاك سوى شيخ مقدسي درسنا عليه التجويد والآجرومية، وكان تركيزنا منصباً على الشيخ محمد الأشقر، فقد كان متمكناً في الفقه وأصوله، والشيخ عمر الأشقر، والشيخ عبدالرحمن عبدالخالق، ولم تكن علاقتنا بهم علاقة المشايخ بالطلاب، فقد أتيناهم ونحن دعاة، وهكذا تركنا جماعة التبليغ، وأسسنا الدعوة في مسجد أحمد بن حنبل، وكان هؤلاء المشايخ يعملون منفردين.
الفرقان: من هم تلاميذ الشيخ عبدالله السبت؟
السبت: هم يحدثون عن أنفسهم، ونحن ـ بحمد الله ـ دروسنا قائمة منذ ذلك الوقت، بدأنا في مسجد عبدالله الخلف في الفيحاء، ثم توسعنا، ولكن لا نريد أن نسمي، فنحن لسنا مشايخ، لكننا لا نزال في مرحلة طلب العلم.
الفرقان: موقف أحزن الشيخ؟
السبت: ما يجري على الإنسان من مصائب الدنيا كثير، ولكن أكثر شيء أزعجنا هو وفاة الشيخ أبي يوسف عبدالرحمن عبدالصمد ـ يرحمه الله ـ، وقد بلغني النبأ وأنا في كراتشي للدعوة، فالحقيقة أحزننا كثيراً، وأعتقد ـ والله أعلم ـ أن الشيخ عندما ذهب للدعوة في أستراليا كاد أصحاب الخرافات له مكيدة فقتلوه، نسأل الله عز وجل أن يكون في سبيل الله عز وجل، كان حزننا عليه كبيراً، فقد كان يعتبر مميزاً؛ لأنه جاء بعد المشايخ الأربعة، وكان له ـ يرحمه الله ـ نمطٌ مميز في حرصه على المنهج السلفي وإظهار السنة، وكان حريصاً على تمييز الدعوة السلفية عن غيرها من الدعوات، وكان كل من يعرفه يحبه رحمه الله.
الفرقان: من هم أبناء الشيخ؟
السبت: الحمد لله، لي خمسة أبناء وبنتان.
الفرقان: هل لأحد منهم توجه نحو العلم الشرعي؟
السبت: أكبرهم معاوية، وهو في الصف الثانوي، وكلهم ملتزمون مع شباب الدعوة بفضل الله تعالى.
الفرقان: هناك من يكفر الحاكم إذا استبدل حكم الله بالأحكام الوضعية، فماذا تقول؟
السبت: هذه بدعة خرجوا بها علينا في الكويت، ويسمونها ((ترك جنس العمل))، وتستلزم تكفير المسلمين، وهذه الظاهرة موجودة بين بعض الشباب، وهي ـ في الحقيقة ـ ظاهرة خطيرة، ولذلك صاروا يتهمون علماء الدعوة الكبار بالإرجاء؛ لأنهم لا يكفرون بترك جنس العمل.
وأقول: نحن لسنا من الذين لا يكفرون مطلقاً، بل الكافر يكفر، ولكن وفق الضوابط التي وضعها أهل العلم، يستنبطون ذلك من كلام الله عز وجل وكلام النبي ﷺ، وفهم سلف الأمة رضي الله عنهم، فلا شك أن من بدأ بالحكام سينتهي بالشعب كما هو حاصل الآن في الجزائر، وهذا تدرج منطقي وإن كانوا لا يقرون هذا الكلام علانية، ولا يقولون: نعم نحن نكفر، إنهم يقولون هذا، ولكن الواقع العملي يؤكد أنهم يكفرون، وفي جلساتهم ولقاءاتهم يكفرون الحكام ومن دار في فلكهم.
وأقول: هذا فيه تلبيس على العوام؛ لأن الاستبدال لفظة تحتاج إلى بيان وتوضيح، فنقول لهم: ماذا تقصدون بهذه اللفظة؟ فالذي نقل عن علمائنا كابن كثير وغيره أن المستبدل هو الذي يأتي بتشريع كامل في العقائد والأحكام وغيرها، ويلغي حكم الله، ويستبدل ذلك بحكم من عنده، وقد ذكر علماؤنا بأن الحاكم ـ سواء أكان هذا الحاكم قاضياً أو كان وزيراً أو أميراً ـ إذا حكم في مسألة بغير ما أنزل الله، وهو يعتقد أن حكم الله هو الحق، وأن حكمه ليس بمثل حكم الله عز وجل، ولكن لهوى ولمصلحة ـ بزعمه ـ أو لجهل أو شهوة؛ فهذا عندنا ليس كافراً.
أما من اعتقد أن حكمه أفضل أو مساوٍ لحكم الله؛ فهذا كافر، ولو كان من أعبد العباد.
فالمسألة تحتاج إلى تقرير عقائدي، فهم حين يقولون: استبدل؛ نحن نقول لهم: ما معنى لفظة ((استبدل))، هم الآن يطلقون الحكم بالكفر على من وقع في مسألة من قوانين معينة، وحكم بغير ما أنزل الله.
وهذه المسألة وردت في كتابات الشيخ أحمد شاكر رحمه الله والشنقيطي، لكنهم يأتون إلى كلام الشنقيطي رحمه الله فيبترونه ويأخذون ما يوافق أهواءهم، وما لا يوافقهم يحذفونه، وهذا دين أهل الأهواء أنهم ينقلون الذي لهم، ويخفون ما سواه.
الفرقان: سكوت عبدالله السبت عن بعض المقالات الهجومية عليه، ما هو السبب يا ترى؟
السبت: النقد عادة لا بد له من وجود، فإن كان النقد في ذات الإنسان كالسب والتهويل؛ فالذي نعرفه من هدي أهل العلم تركه، فنحن نرى بأن كثيراً من الذين يتكلمون الآن من الخير تجنبهم اتقاء فحشهم، ومثل هؤلاء فإن إشغال الناس بالرد عليهم نرى أنه لا ينفع ولا يفيد؛ لأنه ليس فيه دفاع عن الإسلام ولا دفاع عن قضية إسلامية، وبالتالي آثرنا ألا نخوض فيه، أما لو كانت المسألة رداً علمياً من منصف؛ فلا شك أننا سنجيب عليها.
وأقول: إن كثيراً من وسائل الإعلام تحرض على مجرد الخوض في هذه الأمور، وليس على العلم والبحث.
والإكثار من هذا وكونه ليس على أساس علمي يفقد هيبة أهل الدين عند عامة المسلمين، وبالتالي فإنها إن لم تكن مسالةً علميةً مقرونة بالأدلة، وإنما هي الخوض في الدفاع عن أشخاص؛ فليس من ورائها فائدة، فمن عرف نفسه لا يضره كلام الناس، هذه القاعدة التي نسير عليها.
الفرقان: ما رأيك في تعدد الجماعات الإسلامية، وهل هناك شروط وضوابط لها؟
السبت: إذا كانت هذه الجماعات أو الأحزاب لديها تصور للإسلام على خلاف الحق الذي عليه الكتاب والسنة ومنهج السلف؛ فلا شك أنه لا يجوز العمل معها، وهذا ليس قولي، وإنما قول عامة أهل العلم، فهو يخالف التعاون الذي أمر الله سبحانه وتعالى به، وهو يوافق الاختلاف والفرقة، والخلاف شر، والله أمرنا أن نكون أمةً واحدةً، وأن يكون تصورنا واحداً، وأن ننهج في دعوتنا لله عز وجل سبيلاً واحداً ﴿قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني﴾، أما إذا كان منهجها واحداً، وطريقها واحداً مستقيماً، لكنها تؤدي نوعاً من العمل يخالف ما عليه الأخرى؛ فهذا من اختلاف التنوع الذي لا يفسد الأمر إن شاء الله، ولا شك أن الوضع القائم الآن لا يستطيع أحد أن يلغيه، وهذا الذي يُحمل عليه كلام العلماء عندما تكون الجماعات القائمة فيها الخير؛ فإنهم يقصدون إقرارها على منهجها، ولا يقصدون أنه يجوز أن تنشأ جماعات على منهج مخالف لمنهج السلف، هذا لم يقله أحد من العلماء مطلقاً، بل قالوا عكسه.
لذلك يجب أن نفرق بين حكم قيام أحزاب وجماعات على عقائد ومناهج مختلفة، وبين معالجة واقع قائم موجود، وهذا الواقع الآن كيف نتعامل معه؟ فيأتي جواب العلماء أنه لا مانع للإنسان أن يتعاون مع هذا، وأن يجتهد، ولكن إذا وجد في البلد دعاة سلفيين فالواجب أن ينتسب إليهم، هذا الذي نسمعه من المشايخ المعروفين الكبار.
الفرقان: ما هو دور وواجب طلاب العلم من الفتن الواقعة في هذه الأيام؟
السبت: أولاً: نحن مأمورون بإظهار العلم، ومن كان عنده علم فليظهر، هذه قاعدة، وأنا لدي تحفظ على لفظة ((الفتنة))؛ لأن الفتنة هي التي لا يعرف فيها الحق من الباطل، كما حصل مثلاً في القتال بين علي بن أبي طالب ومعاوية رضي الله عنهم، فالناس اختلفوا فيمن هو على الحق.
فإذا كانت الفتنة بمعنى اختلاط حق في باطل؛ فلا يعرف الإنسان من على الحق، فهذا يعتزل، لكن ما يجري الآن في الساحة إنما هو صراع بين منهج السلف الحق وبين المناهج الموجودة، سواء مناهج الخوارج أو الباطنية أو مناهج أخرى، فأنا أرى الحق ظاهراً كالشمس، وطالب العلم يفترض فيه أن يكون مميزاً.
والرسول ﷺ أخبر أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، ثم قال: ((كلها في النار إلا واحدة))، ثم لما سئل عنها قال: ((ما أنا عليه وأصحابي))، وفي رواية: ((الجماعة))، فالمصطفى ﷺ بيّن أن هذه الأمة ستفترق، والذي نلاحظه الآن من التفرق منصوص عليه، فالفرق الموجودة الآن كلها امتداد للفرق القديمة، فجماعة الفكر المستنير ـ زعموا ـ إنما هم امتداد للمعتزلة قديماً، وجماعة التكفير أو جماعة الحاكمية التي يدندنون عليها إنما هم امتداد لمذهب الخوارج، وكثير من جماعات الدعوة العامة هي دعوة صوفية، والتي يقول فيها الشعراني ـ وهو صوفي ـ: ((الطرق إلى الله بعدد أنفس الخلائق، كل سالك واصل))!!
فلذلك قال الله عز وجل لما جاءت الفتنة: ﴿وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلو فأصلحو بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلو التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله﴾، فالموجودون الآن في الساحة الإسلامية واضحة أمورهم، فوجب على طالب العلم أن يميز بينهم.
الفرقان: من هم المشايخ الذين رددت عليهم؟
السبت: الموضوع طويل ولكن الذي يحضرني فيه أمور بارزة لعل أبرزها وأقدمها ما ذكرناه منذ زمن بعيد بالرد على كاتب قديم اسمه ((رمضان لاوند))، كان يكتب في مجلة ((البلاغ)) الكويتية في السبعينات، فكان يدندن على أن الإسلام فكر، وكنا رددنا عليه في مقالات كثيرة في نفس المجلة على أن الإسلام دين من الله تعالى، وليس فكراً، ومرسل من الله عز وجل.
ثم بعد ذلك رددنا على الشيخ حسن أيوب لما تكلم عن مذهب الأشاعرة، وينتصر لهم، وأحياناً في كتبه، خاصة في كتابه ((تبسيط العقائد))، وأشرطة، وأذكر أن بعض الردود نشر، وبعضه رفضوا نشره، وقالوا: إن هذا تشويه للإسلام.
ثم بعد ذلك قمت بالرد على شيخ الأزهر ـ يرحمه الله ـ عبدالحليم محمود، لما تكلم عن الصوفية والمتصوفة والشاذلي، فرددنا عليه بمقالات طويلة، ثم جمعناه بكتاب اسمه ((صوفيات شيخ الأزهر)).
ثم قمت بالرد على سيد يوسف الرفاعي حول موضوع التصوف، وهناك أمور جانبية.
ونحن نعتقد أن الرد إنما هو من تمام المناصحة، ولنا رسالة في الطريق اسمها ((ضرورة التناصح للدعاة))، وأصلها مقال قد نشر في ((الفرقان)) منذ فترة، حوى هذا المعنى، وجمعناها في هذه الرسالة.
الفرقان: لديكم تجربة في حملات الحج الموافقة للكتاب والسنة، فهل تحدثونا عن ذلك؟
السبت: الحمد لله وبفضل الله عز وجل علينا أن فكرنا في إنشاء حملة تكون وفق الكتاب والسنة، وكانت أول حملة خرجت على هذا المعنى ((حملة الناهض))، مسؤولها أخونا سالم الناهض، ثم لم يستكمل لظروف صحية، فجاء بعده الأخ خالد الربيع، وبدأت ((حملة الربيع)) للحج وفق الكتاب والسنة، خاصة المبيت في مزدلفة، وكان معظم الحملات لا تبيت في مزدلفة، إلى غير ذلك من أمور، فكان من توفيق الله عز وجل أن كانت البداية منا في هذا.
ثم نحن نعتبر من أوائل من بدؤوا بما يسمى بـ((حج مكة))؛ لأنه في السابق كان نظام الحج بالتوجه إلى المدينة ثم مكة، وكان هذا فيه مشقة على الناس، وأيضاً نوع من الارتباط الذي عند الناس أن الحج لا يتم إلا بالزيارات، وهذا غير صحيح، فالحج عبادة، وزيارة المدينة عبرة، وهو موضوع آخر، وزيارة المدينة لا زيارة قبر النبي، فشد الرحال إلى قبر النبي ﷺ لا يجوز، وإنما يمر عليه ويسلم عليه من جاء قاصداً زيارة المدينة المشرفة، ثم بعد ذلك توسعت الحملات ـ بفضل الله عز وجل ـ وسلكوا الدرب القديم، ونسأل الله عز وجل التوفيق لهم جميعاً.
الفرقان: هل ما زلتم ترافقون الحملات؟
السبت: الحمد لله ما زلنا نخرج مع الإخوة السلفيين، فحججت في العام الماضي مع ((حملة المنصور)).
الفرقان: ما الدور البارز لكم في دولة الإمارات؟
السبت: بفضل الله عز وجل فتحنا مقراً للدعوة هناك في مكتبة عامة، وبدأنا الدعوة بالتعاون مع إخواننا، والحمد لله الدعوة السلفية في الإمارات ظاهرة بفضل الله عز وجل، ولها مراكز تحفيظ القرآن وتعليمه ونشره بين الناس، والشباب ـ الحمد لله ـ قائمون في الدعوة إلى الله عز وجل، وأيضاً حازت على ثقة المسؤولين هناك؛ لأنهم وجدوها دعوة علمية هادئة، فقدموها على التيارات الكثيرة المنحرفة، فالحمد لله رب العالمين.
ثم أيضاً تعاونا مع إخواننا في إنشاء دار الفتح للطباعة والنشر والتوزيع، فهي تعتبر من أكبر دور النشر في منطقة الخليج، حيث بدأت تنشر كثيراً من الكتب السلفية الواضحة الصريحة في منهجها وتصورها.
الفرقان: من هم المشايخ الذين تربطك بهم علاقة مستمرة، وما هو أثرهم عليك؟
السبت: أما أثرهم على نفسي فاستفدت منهم كثيراً، خاصة ارتباطنا مع الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ـ حفظه الله ـ منذ عام 1970م تقريباً، فلقاءتنا معه كثير، وانتفعنا منها كثيراً، بل نعترف أنه من أول من تعلمنا عليه السلفية الصحيحة عبر اتصالاتنا وكتبنا، وكان الواسطة بيننا رجل كان من كبار السن عندنا يدعى إبراهيم الزايد، توفي رحمه الله، وهو من أهل الكويت القدماء، فكان هو دائم السفر إلى الشام في الصيف، وهو الذي يُحضر لنا مجلة ((التمدن الإسلامي)) التي يكتب فيها الشيخ ناصر عن الأحاديث الضعيفة.
فالحقيقة نحن خاصة تأثرنا مباشر في فهم السلفية من الشيخ ناصر، وخاصة محاربتنا للبدع والأحاديث الضعيفة؛ لأنه هو كان المبرز في ذلك الوقت، واتصالنا معه قديم، فهو يُعتبر ـ بحق ـ أبا الدعوة السلفية التي نحن من نتاجها.
ثم أيضاً علاقتنا مع الشيخ عبدالعزيز بن باز ـ حفظه الله ـ، ومشايخ المملكة العربية السعودية استفدنا منهم كثيراً، خاصة من نواحي الحكمة وحسن التعامل في الدعوة إلى الله عز وجل، والحمد لله رب العالمين أنه لا تزال هناك علاقة قائمة بفضل الله، ونحمد الله عز وجل على حسن ظنهم فينا، ونسأل الله أن يستمر ذلك.
الفرقان: ما هو دوركم في نشر الكتاب الإسلامي، وتأسيس المكتبات الإسلامية؟
السبت: بعد أن أصبحنا كياناً سلفياً وجدنا أننا بحاجة لأن ننشئ دار نشر، فتشاورنا مع إخواننا، ثم ذهبت أنا إلى الشام، وتقابلنا مع الشيخ ناصر وغيره، مثل الشيخ محمد عيد عباسي في ذلك الوقت، واتفقنا على أن ننشر رسائل الدعوة السلفية الصغيرة، فبدأنا بتأسيس مكتبة ((الحكمة)) في المرقاب، ثم في سنة 1972م أسسنا ((الدار السلفية للطباعة والنشر)) بالتعاون مع إخواننا، وفكرة الكتيبات الصغيرة بدأت بالشام مع الشيخ ناصر والشيخ محمد عيد عباس، وأوائل الرسائل التي طبعناها رسالة للشيخ ناصر، ثم رسالة ((القضايا الكلية))، وهذه كانت من تأليف مجموعة من المشايخ، ولكن قام الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق بصياغتها. وهذه الرسائل الصغيرة كانت في البداية، وعندما ألقى الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق دروساً عن الفكر الصوفي في جمعية الإصلاح عام 1973م قمنا بطباعتها.
ثم استمر في إصدار الرسائل السلفية بعنوان ((قضايا فقهية))، وكان للدار السلفية دورها في تنشيط الحركة السلفية، إلى أن جاءت جمعية إحياء التراث الإسلامي، فأكملت المسيرة القديمة بقوة والحمد لله رب العالمين.
الفرقان: ما هو معدل قراءتكم الأسبوعي؟
السبت: نحن نقيم دروساً، فلذلك يلزمنا القراءة، ولكن تحديد عدد الساعات صعب، نسأل الله القبول.
الفرقان: ما هي الكتب التي تحرص على قراءتها؟
السبت: أنا حريص على كتب السلف وكتب المعاصرين من السلفيين، أو ما يتكلم في تاريخ الفتن في الأمة وما جرى فيها، فهذه أقرأها بشكل عام، وكذلك التي تناقش الجماعات.
الفرقان: ما عدد الأشرطة المسجلة لكم؟
السبت: الحقيقة لا أدري، لكن يبدو أن لي في دور التسجيلات 200 شريطاً، وبالنسبة للأشرطة أحياناً يشتكي بعض الإخوة بأن عناوينها متشابهة، أنا في الحقيقة لا أضع العناوين، ولكن الإخوة أصحاب التسجيلات هم الذين يضعون العناين، فإذا حصل خطأ فهو منهم وليس مني.
والأمر الثاني: أن بعض الناس نسب إلي أنني لا أجيز طبع بعض الأشرطة الخاصة بي، وأنني لا أجيز تسجيلها إلا بإذني، فهذا افتراء، فنقول بأن الأمر عندنا مشاع، ولا إذن، فمن شاء فعل.
الفرقان: ما هو عدد مؤلفاتكم؟
السبت: أظنها تسعة، أولها ((الرحمن على العرش استوى))، ثم رسالة في ((صلاة الجماعة))، وهي رسالة صغيرة، ثم بعد ذلك ((بغية القاصدين في تهذيب مدارج السالكين)) لابن القيم، ((ثم الطريق إلى وحدة المسلمين))، وآخرها رسالة اسمها ((دعوة للتأمل)).
وعندنا الآن رسائل في الطريق، من أبرزها ((الشخصية المسلمة بين التميز والتحيز))، وكذلك ((التناصح ضرورة للدعاة))، ثم ((اختصار عيون الأخبار)) لابن القيم رحمة الله عليه( )، والله المستعان.
الفرقان: الشيخ عبدالله السبت مُقِلٌ في المؤلفات؟
السبت: حسب ما يتيسر، فالكتابة غير الدروس، فالدروس يكفي تحضيرها في وريقة صغيرة ثم إلقاؤها، لكن الكتب تحتاج إلى تأصيل وتجميع، وبالتالي فهي تحتاج إلى التفرغ والجلوس والتعب.
الفرقان: أين يقضي الشيخ وقت فراغه؟
السبت: في البر.
الفرقان: زرتم دولاً كثيرة، فما هي انطباعاتكم عن زيارة دول جنوب شرق آسيا وأمريكا؟
السبت: ضمن أوائل الدول التي عملنا فيها للدعوة إلى الله هي الهند، منذ سنة 1969م، وما زلنا نتعامل معهم، والانطباع الذي خرجنا به من زيارتنا إلى دول العالم هو أنه لا توجد مدينة من المدن من الصين إلى سيبيريا إلا وفيها سلفيون، فنحن وجدنا ذلك في زيارتنا لدول الاتحاد السوفييتي سابقاً، والتي يسمونها ((الجمهوريات الإسلامية))، فرأينا أن في كل قرية أو مدينة كبيرة تجد شيخاً له أصول سلفية. الدعوة السلفية موجودة منذ القدم، وأحياناً نجد أحد المسلمين قد اهتدى في موسم الحج بسبب كتاب أو شريط وبدأ الطريق، وأذكر بينما كنا في مدينة أذربيجان ـ والتي تتبع جمهورية أوزباكستان ـ جاءنا رجل كبير في السن في الثمانين، فقلنا له: من أين عرفت السلفية؟ فقال: عرفتها من الحج والدروس التي يلقيها أبو بكر الجزائري في المدينة، واستمعت وأعجبت بها، وأخذت بعض الكتب معي، فهذا عمره ثمانون وأخذها وهو شاب صغير، ونشرها في قرية لا تُعرف في الدنيا.
فنقول: الحمد لله، سواء في أفريقيا أو أي دولة وجدنا أن الدعوة السلفية موجودة، بخلاف الدعوات الجديدة التي نراها موجودة في أماكن معينة، والحقيقة أن هناك تقصيراً من إخواننا السلفيين، حيث يشتكي الناس بأنهم لم يجدوا منهم التوجيه الصحيح، والتجأ الناس إلى جماعات الحاكمية والجهاد، وظنت أن هذه هي السلفية، ولكن ـ الحمد لله رب العالمين ـ التجارب أثبتت أنهم استفادوا من أخطائهم، وتوجد الآن عودة في أوربا وأمريكا للخط السلفي، وهذا فضل الله سبحانه وتعالى، والأمر الذي نحث عليه ـ وخاصة للذي عنده علم ـ أن يحتسب الإنسان المبلِّغ عند الله عز وجل، ويفرغ نفسه ثلاثة أشهر للذهاب إلى مدينة أو قرية للدعوة، فإنه سيكون له أثر في الدنيا والآخرة.
وأذكر في هذه المناسبة عندما كنا في بنغلاديش أنا وأحد الإخوة وصلنا إلى قرية بعد سفر طويل، وجئناها ليلاً، واعتقدنا أنه لم يسبقنا أحد إلى هذه القرية، فلما أصبحنا وجدنا مبنى أبيض جميلاً وسط الأدغال، فإذا به مبنى لمهندس نرويجي مع زوجته، وهم نصارى جاؤوا يعلمون البنغال كيف يزرعون، ويدعون إلى الدين النصراني.
فأنا أنصح إخواني الشباب أن يتفرغوا في عطل الصيف ثلاثة أشهر، أو الصيف كله، حتى لو كان عندهم علم بسيط ينتفع الناس به.
الفرقان: هل هناك نصيحة لمجلة ((الفرقان))؟
السبت: نصيحة عامة أنه لو تخفف من الصور، حيث من الصعب إلغاؤها، لكن يُخفف منها، ويوضع ما يكون هنالك داعٍ لوضعه، هناك بعض الأعداد تجدها جميلة، وبعض الأعداد تجدها مغرقة في الصور في ما لا فائدة منه.
وموضوع الصور موضوع خلافي بين أهل العلم والمعاصرين، ولكن أكثر علماء الدعوة السلفية لا يرونه إلا لحاجة وضرورة.
والأمر الثاني: أنها ـ فيما نعتقد ـ مجلة سلفية، فلا بد أن تشتمل على فصلين ثابتين: التحذير من البدع والشرك، وفصل للأحاديث الضعيفة، فهذا لا بد أن يكون ديدنها.
وجزى الله خيراً الإخوة القائمين عليها، فلا شك أن لها دوراً في نشر المنهج السلفي.