لقد كنت أظن أن قيادات الجماعات الإسلامية السياسية -غير السلفية- عقلوا الدرس في حرب تحرير الكويت واحتلال العراق لها، حيث إنهم دعوا للجهاد مع طاغية البعث ضد قوات التحالف عام ١٩٩١م، وطلبوا من أبنائهم القيام لأجل صدام والقنوت له. ثم إنهم هرعوا إلى الكويت بعد التحرير يظهرون التوبة والندم، وتذرعوا بالجماعات الضاغطة.. ومن أجل الدعم الكويتي غير البعض اسم جمعيته.
ودارت عجلة الزمان، فإذا «حليمة تعود لعادتها القديمة»، ها نحن نشاهد قيادات الإخوان في الأردن ومصر واليمن وفلسطين وباكستان يخرجون إلى الشوارع، ويخرجون الناس داعين للجهاد مع صدام البعث، وحركوا المساجد للقنوت ودعوا للمجاهدين البعثيين بالنصر والتمكين!!
والمستغرب في الأمر أن عامة العراقيين في البلاد التي خرجت شعوبها إلى الشوارع لم يخرجوا -إلا بعض أتباع النظام- ليشارك هؤلاء زعيقهم وهتافهم.. فهل كل العراقيين لا يحبون العراق؟
وللأسف الشديد أن نسمع نداءات وفتاوى مشايخ الجماعات غير السلفية مع صدام البعث وتحت رايته، وكأن القوم لا يعلمون أن نظام صدام اجتمعت فيه آفات عظيمة مهلكة، إنه نظام كافر؛ لأنه يلتزم عقيدة حزب البعث الكافرة، وهذا ما يصرح به ليل نهار جميعُ قادة النظام، إنه على كفره جمع الظلم للناس، فلم يترك أحدًا إلا وظلمه حتى الشجر والحجر، فإنه أهلك الحرث والنسل، كما أنه محارب للدين، فهذه سجونه تعج بأهل التوحيد.
وإذا ما قارنّا بينه وبين التحالف لرجحت كفة التحالف، خصوصًا في العدل، حيث إنهم أمروا الناس بالتزام بيوتهم وعدم الخروج، وحزب صدام يخرجهم قسرًا إلى الشوارع ليتمرس بهم.
علمًا بأننا نعتقد أن الكفار لا يريدون الخير المطلق لنا؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- أخبر عنهم ذلك: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ ٱلْيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة: ١٢٠]، لكن بالمقارنة النظرية الدنيوية -بل والدينية- نرى أن هؤلاء أشرف وأرحم من صدام وحزبه، ولعل ما جرى في حرب فارس والروم ورغبة المسلمين أو الإسلام في انتصار الروم على الفرس؛ لعله يستأنس به على تأييدنا لهؤلاء على صدام.
وأكثر ما هتف به الهاتفون المضللون من مشايخ الجماعات الإسلامية الثورية هو التباكي على الشعب العراقي، وعلى ثرواته.
ولهؤلاء نقول:
أولًا: لو أُحصِيَ عدد القتلى والمفقودين على أيدي جلادي حزب البعث وزبانيته؛ لفاق من قُتل من قِبَل التحالف في الحربين بأضعاف الأضعاف.
ثانيًا: لو سمح للمعارضة بأن تكشف عن الوجه القبيح لزبانية البعث وصدام وما فعلوه في الشريفات العفيفات ممن أُخذن ظلمًا وعدوانًا إلى السجون ثم اغتُصِبن، وهو ما لم يفعله حتى اليهود في فلسطين. فهؤلاء المشايخ الذين غنّى أحدهم بقصيدة -وكنا نحسن الظن-، هتف بقصيدته يشيد بهذا البطل المغوار الذي أنزل الطائرة، وللأسف كيف غاب فقه الواقع عن مثل هذا الشيخ؟
أقول: هل هؤلاء الذين يجوبون الشوارع حثًّا على الجهاد راجعون إلى ضمائرهم؟ والعجيب أنهم لم يذهبوا إلى أرض الجهاد؛ لأنهم يعلمون حقيقة الأمر.
إن أي حرب لا بد لها من ضحايا وقتلى، ولكن يلاحظ كلُّ عاقل متابع للأحداث -من غير الخبراء الإستراتيجيين- الذين طلعوا علينا محللين ومنذرين من سيطرة التحالف، فمن الذي قتل هؤلاء؟ إن الذي قتل المدنيين هو من تمرس بهم، أقصد: صدام وحزبه، فهم الذين يحملون هذا الوزر.
أما التباكي على الثروة العراقية؛ فهذا حديث خرافة، فالبترول العراقي -على مدى سنوات حكم البعث- يباع لأمريكا، وأموال العراق تذهب للضياع، والشعب مشرّد جائع، فبماذا نفعته هذه الثروة؟ إنها أصبحت دمارًا عليه.
ولعل المراقب يلحظ أن الجماعات السلفية في العالم كله -لا يغرنك من تسموا بالسلفية زورًا وبهتانًا- لم يصدر من هذه الجماعات ولا من مشايخها أي فتوى تدعو للجهاد، وكل ما صدر هو دعوة لوقف الحرب وعدم قتل المدنيين، فلم نشاهد مظاهرات سلفية في العالم كله خرجت لتأييد العراق، هل الجماعات السلفية أوعى سياسيًّا من الجماعات الأخرى؟!
إني أعتقد أن السلفيين أحكم وأعلم من غيرهم، وسبب ذلك أن الجماهير السلفيين مرتبطون بالعلماء، وهذه فائدة ارتباط الأمة بالعلماء الربانيين. ولا بد أن يلاحظ الفرق بين الداعية والعالم، كما أن المنهاج السلفي يجعل أتباعه يرتبطون بعلمائهم الذين يرون لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، ويرون أن للجهاد شروطًا وضوابط وإلا أصبح فسادًا.
وبعد: فإني أدعو الشباب من أتباع هذه التجمعات ألا يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة، ويساندوا نظام الكفر والبغي والعدوان ﴿وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾ [يُوسُف: ٢١]، ﴿وَسَيَعْلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ [الشُّعَرَاء: ٢٢٧]، وسيعلم الذين يراهنون على إنجازات صدام إذا تجلى الغبار أفرسٌ تحتهم أم حمار؟، وسيفرح المؤمنون بنصر الله، وصدق رسول الله ﷺ إذ قال: «إن الله ينصر هذا الدين بالرجل الكافر».