إرهاصات ما قبل التفجيرات

الأفكار التي مهدت لهذا الفساد
إرهاصات ما قبل التفجيرات(1من5)
عبدالله بن خلف السبت
لقد كانت أم المصائب كما هو واقعها أو أم المعارك كما سماها صاحبها يوم شؤم على أمة الإسلام.
فبعد أحداث دخول العراق للكويت ثم تجمع قوى العالم وأكثره من الدول لتحرير الكويت ودخولهم العراق, أدى ذلك إلى بروز ظواهر عدة على الساحة الإسلامية عامة والخليجية خاصة ذلكم أن فكرة القتال في بلاد الإسلام لم تكن محور الجماعات الثورية القطبية ما عدا الجماعات المسلحة في مصر لكن مشايخ هذه الجماعات ومنكريها هيئوا الأذهان للعمل المسلح ضد الأجنبي ولما وقع اغتيال أبو ضياف رئيس الجزائر قال أحد المفكرين واصفا المجرمين(بهؤلاء الأبطال) فمشايخ الجماعات لم يحملوا السلاح بل قد يكونون لا يقرون التفجيرات التي جرت في السعودية ولكن هؤلاء هم من حمس الشباب لهذه الأعمال باسم” الجهاد” ثم هيئوا الأذهان وبسطوا الأرضية ثم قالوا نحن لم نأمر أحدا بالقتال.
من أجل ذلك لخصت هذه الظواهر التي هيأت لهذا العمل الإجرامي الذي جرى في مصر ثم الجزائر والآن في السعودية وكلهم تلقى فتواه من هؤلاء.
وهذه الظواهر لخصتها في عشر مسائل وهي:
الأولى: إحياء مذهب الخوارج في الحاكمية على يد سيد قطب والمودودي ومن تبعهما. شهدت الحقبة السابقة بروز الفتنة التي مكنت لفكر الخوارج من الانتشار وما نتج عنها من قتل بالظن لبعض الشخصيات في مصر وغيرها من أمثال النقراشي باشا والشيخ حسين الذهبي بدعاوي شتى يبررون ذلك ومحاولات القتل والاغتيال في الأربعينيات والخمسينيات ثم بعد ذلك ما حدث من قتل الرئيس أنور السادات ثم رئيس الجزائر وما ألم بالأمة من مصائب وويلات أهدرت الدم المعصوم أنهارا وقد قدموا بين يدي أعمالهم الحكم بتكفير من يغتالونه أولا ثم انسحب ذلك التكفير على الحكومات وطال بعد ذلك عامة الناس فأصبح إهدار الدماء وانتهاك الحرمات وخفر الذمة ونقض العهد والمواثيق مباحا لهم بدعوى أن الأمة في الجاهلية والحكام كفرة والعلماء مأجورون وأتباع للسلطان فلا ضابط لهم ولا رابط فعاثوا في الأرض فسادا وجلبوا الويلات على المسلمين.
أما الخوارج الأولون فهم أول من حمل السلاح في أمة الإسلام وقتلوا أهل الإيمان وهم مع ذلك يظنون أنهم يتقربون إلى الله سبحانه بذلك, وهذا الشعور بعدم الذنب هو الشعور السائد الآن عند خوارج العصر وهو ما ليس به عليهم مشايخ الضلال. لذلك أوردت قصة الخوارج في مقال آخر ليعلم العامة أن هؤلاء لا ينقصهم العبادة وإنما تنقصهم الهداية فاعقل لذلك.
ومذهب الخوارج كاد أن يندثر حتى أحياه سيد قطب وآخرون” وقد فصلت ذلك في كتابي المحكمة أو خوارج العصر”. وبنيا مذهب الخوارج في تكفير الحكام بعض الدعاة ممن اعتنقوا مذهب سيد قطب في وصفه لمجتمعاتنا بالجاهلية. وقد أعيد موضوع الحاكمية من جديد وفسروا(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) كما يريدون هم وعلى طريقة الخوارج. دعامة من يرى تكفير الحكام اليوم قولهم هو قول الخوارج والمعتزلة.
وهؤلاء الدعاة هيأوا أذهان الناشئة من أبناء المسلمين ليتقبلوا القول بتكفير حكامهم ث الخروج عليهم بالقول والمظاهرات ومن ثم بالسلاح. كما هو حاصل اليوم.
فالبلية جاءت إذن من تبني الدعاة الذين لم يلزموا مذهب السلف وهجروا الأخذ عن العلماء لمذهب الخوارج وهم وإن لم يقروا التفجيرات والقتل ولكن الأفكار التي طرحوها عبر الأشرطة والكتب أصبحت أرضية لهؤلاء يبنون عليها ضلالهم.
الثانية: تبني مذهب الخوارج في إنكار المنكر على المنابر.
من المقرر أن إنكار المنكر فريضة إسلامية ونوع من أنواع الجهاد وقد يكون باليد واللسان أو القلب كما في الحديث الصحيح” من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان” أخرجه مسلم.
ومذهب أهل السنة الأخذ بالمراتب حسب القدرة, وجعلوا الإنكار باليد لمن له سلطان, وفرقوا بين الإنكار العام والإنكار على الحاكم وجعلوا لذلك ضوابط ذكروها في كتبهم, لأن للحاكم منزلة, وما سيؤدي إليه الإنكار العلني عليه من الفتن, ومن ثم منع العلماء الإنكار العلني على الحاكم ومستندهم ما جاء في الحديث الصحيح” من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتة جاهلية” أخرجه البخاري ومسلم.
فالسلف يرون أن الإنكار على الإمام ولي الأمر يجب أن يكون سرا حتى لا نفسد عليه قلوب العامة.
أما الخوارج وما نحا نحوهم فهم يرون الإنكار على المنابر هو سنة ولا يضر ما يترتب عليه من فساد.
ومن أجل ذلك قام هؤلاء الأغرار بهذه الأعمال من اغتيالات وتفجيرات وما تبعها كل ذلك ظنا منهم أنهم ينكرون المنكر.
ورحم الله ابن تيمية حيث يقول” ليكن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر”.
فهل يعقل هؤلاء أقوال الأئمة ويسيروا على هديهم؟!
ومن أهم ذلك وأعظمه قدرا أن يناصح ولاة الأمر سرا فيما صدر عنهم من منكرات, ولا يكون ذلك على رؤوس المنابر وفي مجامع الناس, لما ينجم عن ذلك – غالبا- من تأليب العامة, وإثارة الرعاع عليهم, وإشعال الفتن.
وهذا ليس دأب أهل السنة والجماعة, بل سبيلهم ومنهجهم: جمع قلوب الناس على ولاتهم, والعمل على نشر المحبة بين الراعي والرعية, والأمر بالصبر على ما يصدر عن الولاة من استئثار بالمال أو ظلم للعباد مع قيامهم بمناصحة الولاة سرا, والتحذير من المنكرات عموما أمام الناس دون تخصيص فاعل, كالتحذير من الزنا عموما, ومن الربا عموما, ومن الظلم عموما, ونحو ذلك. يقول العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله تعالى- ” ليس من مذهب السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر, لأن ذلك يفضي إلى الانقلابات, وعدم السمع والطاعة في المعروف, ويفضي إلى الخروج الذي يضر ولا ينفع, ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين السلطان والكتابة إليه أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير.
وإنكار المنكر يكون من دون ذكر الفاعل, ينكر الزنا وينكر الخمر وينكر الربا من دون ذكر من فعله, ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير ذلك أن فلانا يفعلها, لا حكم ولا غير حاكم.
ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان قال بعض الناس لأسامة بن زيد ألا تنكر على عثمان؟ قال: أنكر عليه عند الناس؟! لكن أنكر عليه بيني وبينه, ولا أفتح باب شر على الناس.
ولما فتحوا الشر في زمن عثمان, وأنكروا على عثمان جهرة, تمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم, حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية, وقتل عثمان وعلي بأسباب ذلك, وقتل جم كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني وذكر العيوب علنا, حتى أبغض الناس ولي أمرهم, وحتى قتلوه, نسأل الله العافية.
فنحن نرى أن هناك تجاوزات وأثرة وأمورا كثيرة وهذه لا يختلف فيها, وإنما الخلاف على طريقة التغيير للمنكر, فإنكار المنكر واجب لكن بالطريقة الشرعية.
الثالثة: تبني الدعاة من القطبيين وغيرهم مسألة الفوضى في الجهاد.
الجهاد حق ومستمر إلى قيام الساعة وهو ذروة سنام الإسلام وعلى كل مسلم أن يحدث نفسه بالغزو. هذه مسلمات لا تحتاج مزايدة وهي من البديهيات لدى أهل الإسلام.
وقد جعل السلف للجهاد شروطا وضوابط أهمها:
1- وجود إمام يأمر بالجهاد وتحت راية واضحة.
2- تمايز الصف مع الأعداء.
3- وضوح الغاية والقيادة.
إلى غير ذلك من الضوابط المقررة في مظانها من كتب أهل العلم.
إلا أن مشايخ الضلال لبسوا على الشباب وجعلوا الجهاد دون أي ضابط, بل جعلوه فرض عين ودون استئذان الوالدين.
ففتحوا الباب أمام الشباب على مصراعيه وجعلوا كل أعمال الفساد من قتل واغتيالات وتفجيرات كل ذلك جهاد.
وحاولوا بكل ما لديهم من وسائل إقناع أن يقنعوا الشباب بذلك مع التدليس والتلبيس عليهم ولقد شرح أهل العلم الفرق بين الجهاد والإفساد.
والمشكلة أن هؤلاء جاءوا إلى النصوص من الكتاب والسنة فلوو أعناقها لتوافق مذهبهم الفاسد. وهم جعلوا بلاد الإسلام هي مكان أعمالهم التخريبية. فالجهاد حق ولكن هو عبادة مثل الصلاة والصيام لها ضوابط وأسس, أما هذه الفوضى فليست من الجهاد.
الرابعة: تبني مسألة لا عهد ولا أمان ولا ذمة لكل ذمي في بلاد الشام.
لقد اشتط هؤلاء في فهم الإسلام لأنهم أخذوا العقيدة من الأحداث وذوي الأهواء ولما فسروا قوله تعالى” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون”, لم يأخذوا بتفسير الصحابة ومن تبعهم من أهل العلم وإنما أخذوا بقول الخوارج وبنوا عليهم الحكم بالكفر على الحكام المسلمين.
ولأنهم يعتقدون باطلا كفر الأنظمة بنوا على ذلك أصلا فاسدا وهو أنه من دخل في عهدهم من الكفار فلا عهد له ولا أمان.
وهذه الفتوى الباطلة قد روج لها بنشرات عنوانها ( لا عهد ولا أمان ) وقد فند هذه الشبهات الأخ الشيخ فيصل بن فراز الجاسم في كتابه ( كشف الشبهات في مسائل العهد والجهاد ). ويكفي ردا على هؤلاء المفسدين قوله” من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما” رواه البخاري.
فهذا نص في حماية كل كافر دخل في بلاد الإسلام بعهد من ولي أمر المسلمين.
وهذه الفتوى الخارجية الضالة هي الأرضية التي انطلق منها الشباب الذي عاث في الأرض فسادا. ونحن نحذر من الترويج للفتاوي الضالة. بل ينبغي العكس وهو إشاعة البرامج المحذرة من هذه الأفكار.
وقد نص قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية على :” فإذا كان الذمي الذي له أمان إذا قتل خطأ ففيه الدية والكفارة, فكيف إذا قتل عمدا؟ فإن الجريمة تكون أعظم, والإثم يكون أكبر, وقد صح عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه قال:” من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة” رواه البخاري.
فلا يجوز التعرض لمستأمن بأذى فضلا عن قتله في مثل هذه الجريمة الكبيرة النكراء, وهذا وعيد شديد لمن قتل معاهدا, وإنه كبيرة من الكبائر المتوعد عليها بعدم دخول القاتل الجنة, نعوذ بالله من الخذلان”.
فهذه يا عبدالله أربع من عشر أرجو التمعن والتدبر واعلم أنك ونحن سنلقى الديان (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ),فاعقل هذا هديت إلى الرشد وإلى لقاء.

الفرقان مركز المعلومات والأرشيف العدد 13524 التاريخ 30/6/2004
إرهاصات ما قبل التفجيرات (2من5)
مشايخ الجماعات هيأوا الأذهان للعمل المسلح ضد الأجنبي
عبدالله بن خلف السبت
لقد كانت أم المصائب كما هو واقعها أو ام المعارك كما سماها صاحبها يوم شؤم على أمة الإسلام.
فبعد أحداث غزو العراق للكويت ثم تجمع قوى العالم لتحرير الكويت ودخولهم العراق, أدى ذلك إلى بروز ظواهر عدة على الساحة الإسلامية عامة والخليجية خاصة ذلكم أن فكرة القتال في بلاد الإسلام لم تكن محور الجماعات الثورية القطبية ما عدا الجماعات المسلحة في مصر لكن مشايخ هذه الجماعات ومنكريها هيأوا الأذهان للعمل المسلح ضد الأجنبي ولما وقع اغتيال أبو ضياف رئيس الجزائر قال أحد المفكرين واصفا المجرمين” بهؤلاء الأبطال” فمشايخ الجماعات لم يحملوا السلاح بل قد يكونون لا يقرون التفجيرات التي جرت في السعودية ولكن هؤلاء هم من حمس الشباب لهذه الأعمال باسم” الجهاد” ثم هيأوا الأذهان وبسطوا الأرضية ثم قالوا نحن لم نأمر أحدا بالقتال.
من أجل ذلك لخصت هذه الظواهر التي هيأت لهذا العمل الإجرامي والذي جرى في مصر ثم الجزائر والآن في السعودية وكلهم تلقى فتواه من هؤلاء.
وهذه الظواهر لخصتها في عشر مسائل مضى منها أربع وهاك الباقي. لعل الله ينفعك بها.
الخامسة: أحدثوا مبدأ الموازنة لحماية مشايخ الضلال.
العدل سمة لأهل السنة والجماعة في حكمهم على الأمم والجماعات, ولما كان سيف الحق لا يرحم أهل الباطل, وخصوصا أهل البدع والأهواء فكان( الرد على المخالف) السمة المميزة لعلماء السنة وكان شعارهم الراد على البدع كالمجاهد في سبيل الله.
وقد صح عن ابن عباس- رضي الله عنهما- :”لا تجالس أهل الأهواء, فإن مجالستهم ممرضة للقلوب”.
وعن أبي قلابة – رضي الله عنه– -:” ما ابتدع الرجل بدعة إلا استحل السيف”.
فلما رأى منظرو الجماعات الإسلامية غير السلفية هذا السيف وأن الأمة تسمع لعلماء السنة, عند ذلك لجأوا إلى مسألة الموازنة, ويريدون بذلك أنه لا ينبغي التكلم على المنحرف وصاحب البدعة إلا بعد أن نذكر محاسنه حتى قال قائلهم: إن الشيطان مدحه النبي –صلى الله عليه وسلم – عندما قال عنه:” صدقك وهو كذوب”. وهذا تقرير لقوله وليس وصفا ولا مدحا لذاته, وإنما وسمه بصفة الكذب كما هو واضح من الحديث.
وهذا المذهب إذا عمل به ضاعت معالم الدين إذ لا يوجد مبتدع إلا وله حسنات وجهد وعامة أرباب الضلال والصهيونية والرافضة لهم مشاركات وإيجابيات.
وعلى ذلك يلغى علم الجرح الذي تميزت به هذه الأمة.
وهم – أي دعاة الموازنة – لا يرحمون غيرهم من المخالفين ولا يطبقون عليهم هذا الميزان فالله المستعان.
السادسة: تشجيع المظاهرات والاعتصامات.
لقد أحدث هؤلاء فتنة عندما أباحوا المظاهرات الغوغائية مما جعل الشباب بل والشابات يندفعون للشوارع مع ما وقع في تلك المظاهرات من اختلاط وفساد معروف ومشاهد, لأنهم أرادوا بذلك تهيئة الأجواء لإسقاط الحكومات وظنوا – لجهلهم بالسياسة – أن ذلك ممكن كما حصل في إيران لكن غابت عنهم أمور كثيرة.
ونحن اقتداء بعلمائنا نقرر أن المظاهرات لا تجوز لأنها من الفساد وليست من الإصلاح, ذلكم أن إنكار المنكر مسألة دينية ونحن لنا في ديننا ضوابط وأسس وقواعد لتغيير المنكر.
فالمظاهرات ليست وسيلة شرعية لتغيير المنكر بل هي نوع من أنواع الخروج على الحاكم. ومن نظر إلى ما جرى في الجزائر وغيرها لعلم فساد هذا الأمر وأنه لا يمكن أن يأتي بثمار.
والخلاصة: أن هذه ليست وسيلة لتغيير المنكر بل هي وسيلة لإفساد البلاد وبث الفرقة والفتن بين الشعب.
ولا يحتاج الأمر مني لزيادة تفصيل فقد نص على ذلك العلماء الكبار وقولهم فصل وهاك نص فتوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله -:
” قد سئل رحمه الله في شعبان سـنة1412هـ بمدينة جدة من شريط سمعي: هل المظاهرات الرجالية والنسائية ضد الحكام والولاة تعتبر وسيلة من وسائل الدعوة؟
وهل من يموت فيها يعتبر شهيدا أو في سبيل الله؟
فأجب رحمه الله: لا أرى المظاهرات النسائية والرجالية من العلاج, ولكن أنا أرى أنها من أسباب الفتن, ومن أسباب الشرور, ومن أسباب بغض الناس أو التعدي على بعض الناس بغير حق, ولكن الأسباب الشرعية: المكاتبة , والنصيحة, والدعوة إلى الخير بالطرق الشرعية, شرحها أهل العلم, وشرحها أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأتباعه بإحسان.
بالمكاتبة له, دون التشهير على المنابر بأنه فعل كذا, صار منه كذا, والله المستعان.
السابعة: تقليل شأن علماء الأمة الكبار
لقد روجوا المقولة بين الشباب أن العلماء الكبار:
أ- إما محاطون من السلطان فهم لا يستطيعون مخالفته لأمور كثيرة خصوصا وهم يرون أن حكامنا كفار أو عملاء أو عبيد للكفار.
وقد وصفوا العلماء( بنعلة السلطان), بل قال عنهم صاحب مجلة السنة: بأنهم عبيد لعبيد النصارى, وهم بذلك نفروا الشباب من كثير من العلماء.
ب- وأما ال1ذين لم يستطيعوا الطعن فيهم لمنزلتهم عند العامة, فإنهم شرحوا للناشئة من الشباب بأن هؤلاء العلماء مساكين شغلوا في أمور الفتيا والطلاق فليست لهم دراية بأمور السياسة والاقتصاد, ومن ثم ألف أحدهم كتابا سماه( كشف الغمة عن علماء الأمة).
وهكذا استطاعوا إبعاد الشباب عن التلقي عن العلماء الكبار, عند ذلك تعلق هؤلاء بالرويبضة والأحداث من المراهقين وما أكثرهم.
وهاك هذه الدرر من أقوال أهل العلم لتعلم الحق وتلتزمه إن كنت له طالبا: جواب الأئمة في حكم الطعن في العلماء:
قال العلماء: سعد بن عتيق, محمد بن إبراهيم, عمر بن سليم, محمد بن عبد اللطيف, عبدالله العنقري- رحمهم الله-: ومما ينبغي التنبيه عليه ما وقع من كثير من الجهلة من اتهام أهل العلم والدين بالمداهنة, والتقصير, وترك القيام بما وجب عليهم من أمر الله سبحانه, وكتمان ما يعلمون من الحق والسكوت عن بيانه. ولم يدر هؤلاء الجهلة أن اغتياب أهل العلم والدين, والتفكه بأعراض المؤمنين سم قاتل, وداء دفين, وإثم واضح مبين, قال تعالى:” والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا” (الأحزاب 58).
أقلوا عليهم لا أبا لأبيك من اللـــوم أو سدوا المكان الذي سدوا
فإذا سمع المصنف هذه الآيات والأحاديث والآثار وكلام المحققين من أهل العلم والبصائر, وعلم أنه موقوف بين يدي الله, ومسؤول عما يقول ويعمل وقف عند حده, واكتفى به عن غيره.
وأما من غلب عليه الجهل والهوى, وأعجب برأيه فلا حيلة فيه, نسأل الله العافية لنا, ولإخواننا المسلمين, إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الثامنة: تلميع المشايخ غير السلفيين ليتعلق بهم العامة
سعوا عبر وسائل الإعلام والتي سخرت لهم إلى تلميع مشايخ الدعوات غير السلفية وخاصة من ينتهجون مناهج الخوارج والذين يشجعون الثورة والإنكار العلني.
فأصبح هؤلاء هم مشايخ الشباب الذين يصدرون عنهم وبالتالي أصبحت الساحة تعج بمثل الفتاوي التهيجية والتي تسعى لخلق فتنة بين الحاكم والمحكوم.
فترى مشايخ الدعوات الحزبية الثورية يتصدرون الدروس والمحاضرات, بل بلغ الأمر أن كانت محاضرات كبار العلماء يعتم عليها ومحاضرات الشباب من مشايخ الدعوة يعلن عنها عبر الوسائل المتعددة ويجيش لها الشباب. وللأسف ساهمت الوسائل الإعلامية الرسمية بذلك.
وقد نص الأئمة على أن أهل البدع لا يصدرون المجالس ولا يؤخذ عنهم العلم. من أجل ذلك نصوا على أن ” من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام”.
لأن توقير أهل الأهواء يؤدي إلى توقير ما لديهم من ضلال, فانظر كيف لما ذهب السلف تسلق هؤلاء الضالون, فشغلوا الأمة اليوم والله المستعان.
التاسعة: تتبع العورات وإشاعة الأخبار الكاذبة لتهييج الشباب وإثارة النعرات الطبقية
لا يخلو مجتمع من أثرة وتجاوز وهذه من طبيعة البشر وقد أخبر بذلك المصطفى – صلى الله عليه وسلم – فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:” إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها, قالوا: يا رسول الله فماذا تأمرنا؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم”.
فالرسول – صلى الله عليه وسلم – أرشدهم لما فيه خيرهم من صلاح الدين والدنيا, ولو كان غير الصبر أصلح لهم لأمرهم بذلك ولا أظن أحدا يقول إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – دلهم على الخنوع للظالم.
قال شارح الطحاوية:… وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا, لأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم, بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات, ومضاعفة الأجور؛ فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا, والجزاء من جنس العمل, فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل.
قال تعالى:” وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير”( الشورى30) وقال تعالى:” أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم”( آل عمران165).
وقال تعالى :”ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك”(النساء:79).
وقال تعالى:” وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون”(الأنعام:129).
فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم, فليتركوا الظلم.
وعن مالك بن دينار؛ أنه جاء في بعض كتب الله:” أنا الله مالك الملك وملك الملوك, قلوب الملوك بيدي, فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة, ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة, فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك, ولكن توبوا أعطفهم عليكم”( شرح الطحاوية ص 368).
وهذا الأثر الذي ذكره من الإسرائيليات وقد روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – مرفوعا ولا يثبت.
هذه يا عبدالله هي التربية السلفية التي ربى عليها محمد – صلى الله عليه وسلم – أصحابه وتربى عليها الجيل المثالي.
أما من تربى على مذهب الخوارج فهم لا يرون حرمة لحاكم أو عالم وسلفهم بذلك من تعرض لعثمان – رضي الله عنه- وتعرض لعلي بن أبي طالب- رضوان الله عليه-.
وها هم اليوم يشيعون أخبار الحكام حتى وإن كانت كاذبة ومصدرهم الصحف ووسائل الإعلام الكافرة.
لذلك تسمع إلى محاضرين من هؤلاء السياسيين المهيجين للعامة فإذا بها تشهير ولمز وغمز ولم يلجأوا إلى النصيحة بل لجأوا إلى الفضائح وإشاعة الأراجيف.
إذا ديدنهم كسابقيهم تشهير وكذب وإشاعة الكذب كما فعل الأولون فيما نسبوه للخليفة عثمان رضوان الله عليه.
ونحن قررنا مرارا أن الشبهات قد تنطلي حتى على الكبار إذا زخرفت بظاهر من القول, وهذه هاك القصة كما نقلها أهل التاريخ لتعلم كم هؤلاء لديهم القدرة على تزيين القول:
نقل الطبري(5/66) وأكثر المصادر الإسلامية أن اليهودي ابن السوداء عبدالله بن سبأ ورد الشام فلقي أبا ذر فقال له: يا أبا ذر، ألا تعجب إلى معاوية يقول: المال مال الله, ألا إن كل شيء لله, كأنه يريد أن يحتجبه دون المسلمين ويمحو اسم المسلمين, فأتى أبو ذر معاوية فقال: ما يدعوك إلى أن تسمي مال المسلمين مال الله؟ قال معاوية: يرحمك الله يا أبا ذر, ألسنا عباد الله, والمال ماله, والخلق خلقه, والأمر أمره؟ قال أبو ذر: فلا تقله. قال معاوية: فإني لا أقول أنه ليس لله, ولكن سأقول مال المسلمين, وأتى ابن السوداء الصحابي الجليل فقيه أهل الشام أبا الدرداء فقال له ما قال لأبي ذر, فأجابه أبو الدرداء: من أنت؟ أظنك والله يهوديا, وأتى ابن سبأ الصحابي الجيل عبادة بن الصامت فتعلق به عبادة وأتى به معاوية فقال: هذا والله الذي بعث عليك أبا ذر.
ويجب التفريق بين ذكرنا وجود أثرة وتجاوز وبين أن نقر الفساد الاجتماعي فالفساد الاجتماعي مرفوض, ولا يقر به مسلم وإنما نحن نعلج أمر الإنكار وكيفيته وما يترتب علي ذلك من فساد وإفساد.
وهؤلاء دعواهم الإصلاح ولكن يندرجون تحت قوله تعالى:” وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون”(البقرة11,12) والله غالب على أمره.
العاشرة: إظهار الزهد والورع كما هي حال الخوارج الأولين أظهروا الزهد والورع وهذا وصف الخوارج الأولين لقوله:” تحقرون صلاتكم مع صلاتهم, وصيامكم مع صيامهم”.
وهذا عبدالرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه, كان من العباد وقد ذكره أصحاب التاريخ بتلك الصفة:” عبد الرحمن بن ملجم المرادي أحد بني مدرك حي من مراد شهد فتح مصر واختط بها يقال إن عمرو بن العاص أمره بالنزول بالقرب منه لأنه كان من قراء القرآن وكان فارس قومه المعدود فيهم بمصر وكان قرأ على معاذ بن جبل وكان من العباد ويقال إنه كان أرسل ضبيع بن عسل إلى عمر يسأل عن مشكل القرآن وقيل إن عمر كتب إلى عمرو أن قرب دار عبد الرحمن بن ملجم من المسجد ليعلم الناس القرآن والفقه فوسع له فكان داره إلى جنب دار ابن عديس وهو الذي قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وهذه سمة للخوارج الأولين وقد أشيع عن بعض خوارج العصر الزهد والورع ولكنهم لا يتورعون في سفك الدم الحرام فالله المستعان.
الخاتمة
إن هؤلاء عندما أدركوا أنهم نبذوا من الأمة وتبرأ العلماء منهم, لجأوا لمكر شيطاني وهو دعواهم أنهم سلفيون وظنوا بذلك أنهم يمكن أن يسيروا تحت عباءة السلفية, ونجحوا كثيرا في ذلك حتى شوشوا لدى العامة.
لكن الحمد لله قد نجح علماء الدعوة السلفية في فرز الأوراق والتبرؤ من هؤلاء, وقد كان والفضل لله حتى أن الأنظمة في دول الخليج قد فرقت بين السلفيين وغيرهم.
وهكذا تمايزت الصفوف وانكشفت سوءة أهل الضلال.
والذي أقض مضاجعهم أن الحكومات في السعودية والخليج استطاعت التمييز بين دعاة السنة من السلفيين ودعاة الفرقة والضلال من هؤلاء.
وإنا لندعو كل حامل علم أن يميز نفسه إن السكوت في هذه المرحلة ضلال وهاهم الصحابة يقودون حربا ضد الخوارج ولعل أدق وصف لذلك ما قاله الحافظ ابن كثير رحمه الله(10/584) مؤيدا قتال علي رضي الله عنه للخوارج :” وفيه خيرة عظيمة لهم, ولأهل الشام أيضا, إذ لو قووا هؤلاء لأفسدوا الأرض كلها عراقا وشاما, ولم يتركوا طفلا ولا طفلة ولا رجلا ولا امرأة لأن الناس عندهم قد فسدوا فسادا لا يصلحهم إلا القتل جملة” هذا وإني لأرجوا أن أكون قد ذكرت الأسباب التي جعلت هؤلاء يقدمون على هذه الأفعال المنكرة والأمر يحتاج إلى مزيد بسط.
والله نسأل أن يجنب البلاد والعباد شر هؤلاء.

أسباب الجرأة على سفك الدم الحرام الفرقان مركز المعلومات والأرشيف العدد 13526 التاريخ 2/7/2004
إرهاصات ما قبل التفجيرات (3من5)

إن الإسلام جعل للمسلم حرمة ومنزلة ومكانة, قال تعالى:” ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما” النساء:93.
بل جاء في الحديث الشريف” لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق”, أخرجه الترمذي والنسائي وغيرهما بإسناد صحيح.
وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح, فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده, فيقع في حفرة من النار” متفق عليه.
وفي رواية المسلم قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم:” من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع, وإن كان أخاه لأبيه وأمه”.
وأخبر صلى الله عليه وسلم” من حمل علينا السلاح فليس منا” رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر:” وعلى كل حال ففيه دلالة على تحريم قتال المسلمين والتشديد فيه”.
وقال أيضا:” وهذا في حق من لا يستحل ذلك فأما من يستحله فإنه يكفر باستحلال المحرم بشرطه لا مجرد حمل السلاح, والأولى عند كثير من السلف إطلاق لفظ الخبر من غير توخ لتأويله ليكون أبلغ في الزجر, وكان سفيان بن عيينه ينكر من يصرفه عن ظاهره فيقول: معناه ليس على طريقتنا, ويرى أن الإمساك عن تأويله أولى لما ذكرناه والوعيد المذكور لا يتناول من قاتل البغاة من أهل الحق فيحمل على البغاة وعلى من بدأ بالقتال ظلما”(الفتح/13/27).
فهذه النصوص وغيرها كثير تجعل للمسلم حرمة, لا يجوز أن تمس بأي حال من الأحوال, فكل المسلم على المسلم حرام, دمه وماله وعرضه, وهذه بديهيات عند أهل الإيمان.
بل إن الشريعة السمحاء حفظت حقوق أهل الذمة, وأهل الذمة حكمهم مستمر حتى قيام الساعة. وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم” من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة”.
فإذا استقر هذا ووعاه عقلك وعلمت – يا عبدالله – أن ما يقوم به هؤلاء المفسدون لا يقرهم عليه شرع ولا عقل ولا خلق.
بل الذي دفعهم لاستباحة الدم الحرام هو, الهوى, والجهل, والحقد, والرغبة في الانتقام, والفتاوي المضلة.
أولا: الهوى: إن التجرد للحق هو سمة أهل الإيمان, بل إن من لوازم الإيمان الحق التجرد للحق, ولا يتم الإيمان لعبد حتى يكون هواه تبعا للحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولذلك قال تعالى:” فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدى القوم الظالمين”( القصص:50).
بل أخبر سبحانه أن الحق لو اتبع أهواء الناس لضل الكون” ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون”( المؤمنون:71), بل ذم جل وعلا عبد هواه فقال:” أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون”( الجاثية:23).
واتباع الهوى – أي طاعة النفس – وتحقيق رغباتها سواء كان في التساهل والتسيب أو في التشدد والتنطع فكلاهما شر. فهو مخالف لحقيقة الإذعان لله رب العالمين. قال تعالى:” إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون”( النور:51). وقال جل وعلا:” فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما”( النساء:65).
وقد ألف السلف كتبا في التحذير من الأهواء وسموا كل من خالف السنة من أهل الأهواء وذم السلف أهل البدع والأهواء وحذروا منهم.
وعن مسلم بن يسار أنه كان يقول:” إياكم والمراء, فإنها ساعة جهل العالم, وبها يبتغي الشيطان زلته”(الشريعة للآجري ص 61).
وجاء أن رجلا قال لابن عباس رضي الله عنهما: الحمد لله الذي جعل هوانا على هواكم. فقال ابن عباس: الهوى كله ضلالة.
ومن أجل ذلك قرر السلف أن البدعة بريد الضلال, فقال أبو قلابة رضي الله عنه” ما ابتدع الرجل بدعة إلا استحل السيف” المرجع السابق.
فالهوى هو الذي يهوي بصاحبه وهو كذلك يهوي بالأمة في متاهات الانحراف.
ومن نظر إلى أفعال الخوارج والقرامطة والحشاشين وغيرهم يعرف كم للهوى من دور في أفعالهم.
وصدق السلف عندما سموا هؤلاء كلهم بأهل الأهواء.
والمشكلة أن الهوى لا علاج له إلا أن يوفق العبد للإخلاص والتوبة لله, فمن أخلص عمله لله ورزق المراقبة وفق لهجر الهوى.
ثانيا: الجهل بالحق والفهم المنحرف للدين:
قيل قديما :”المرء عدو ما جهل”… هؤلاء الذين عاثوا في الأرض الفساد, أقبلوا بأمر التعاليم ذلكم أنهم يظنون أنهم يعلمون وهم جاهلون.
ونحن نعني بالجهل هنا – الابتعاد عن الفهم الصحيح للإسلام – لأن جمهرة هؤلاء قد اطلعوا على المراجع وقرأوا القرآن وكثير من مشايخ الضلال لديهم المعرفة بالقرآن والسنة.
وقد أمر الله جل وعلا الأمة عند الخلاف لضمان الفهم السليم للإسلام, قال تعالى:” وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم واولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا” (النساء:83).
فالرد للرسول في حياته, وبعد موته يرد الأمر لسنته, والعلماء هم الذين يفهمون السنة، فوجب الرد إلى فهم السلف وهذا مجمع عليه بين أهل العلم.
وقد ترتب على الجهل بالدين الصحيح أن أهدرت الدماء والأموال, والنصوص متضافرة في وجوب فهم الدين على فهم الصحابة.
قال الله تعالى:” ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا”(النساء:115).
قال ابن كثير رحمه الله: أي: ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول – صلى الله عليه وسلم – فصار في شق والشرع في شق, وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحق وتبين له واتضح له, وقوله” ويتبع غير سبيل المؤمنين” هذا ملازم للصفة الأولى, ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع, وقد تكون لما اجتمعت عليه الأمة المحمدية, فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا, فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم في الخطأ تشريفا لهم وتعظيما لنبيهم, وقد وردت أحاديث كثيرة في ذلك.
قال: والذي عول عليه الشافعي رحمه الله في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته هذه الآية الكريمة, بعد التروي والفكر الطويل, وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها, وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك فاستبعد الدلالة منها على ذلك.
ولهذا توعد الله تعالى على ذلك بقوله: أي سلك هذا الطريق جازيناه على ذلك بأن نحسنها في صدره, ونزينها استدراجا له كما قال تعالى:” فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون”(القلم:44), وقال تعالى:” فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم”(الصف:5) وقوله:” ويذرهم في طغيانهم يعمهون” وجعلنا النار مصيره في الآخرة لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا النار يوم القيامة. (تفسير ابن كثير).
وقال السعدي: “ويتبع غير سبيل المؤمنين” وسبيلهم هو طريقهم في عقائدهم وأعمالهم ” نوله ما تولى” أي : نتركه وما اختاره لنفسه, ونخذله فلا نوفقه للخير, لأنه رأى الحق وعلمه وتركه, فجزاؤه من الله عدلا أن يبقيه في ضلاله حائرا ويزداد ضلالا إلى ضلاله, كما قال تعالى:” فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم:.(تيسير الكريم الرحمن).
وهذا قليل من كثير يبين مدى أهمية الفهم الصحيح وأنه هو العاصم من الضلال.
ولقد درج أهل العلم والفضل على ربط الناس بالعلماء وتسليم الفهم لفهمهم ذلكم أنهم أمة متبعة للرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد ضمن الله الهداية لمن سلك هذا الدرب في قوله تعالى:” وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم”(الشورى:52).
ونحن ملزمون بفهم الصحابة كما قال الإمام أحمد- رحمه الله-” أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء به”.
وهذه المسألة- التفاف الشباب حول العلماء هي التي تحول دون التطرف لأن الجهل مع الورع والتدين غير القائم على العلم يجعل صاحبه مهيئا لقبول أي مذهب يهبرج له.
ومن يتتبع عامة التأويلات التي تجري مع هؤلاء يجد أن العامل المشترك لها هو أنهم جعلوا من أنفسهم علماء يفسرون النصوص بما يوافق مذهبهم.
من أجل ذلك نرى لزوم ملازمة العلماء ففي ذلك العصمة من الزلل.
ولست هنا مفصلا القول في ذلك في كتب السلف الغنية, إلا أني رغبت التركيز على أن ممارسة الضلال, الذي وقع فيه الخوارج والمعتزلة زغيرهم إنما هو من هذا الباب, أي الجهل بالإسلام مع اتباع للهوى وابتعاد عن العلماء.
فإذا انضم الجهل بالإسلام وصادف في القلب رغبة في الانحراف وقام شيخ من شيوخ الضلال فأول النصوص وحرفها وألبسها غير لبسها, عند ذلك تقع الطامة والعياذ بالله.
فمجمل الأسباب المفضية للتطرف والغلو كثيرة وما ذكرته نقلا إنما هو في مجمله حق, لكن التركيز يجب أن يكون على الجهل بالإسلام والتحذير من اتباع الهوى.
وأكون بذلك قد شرحت أسباب الغلو والتطرف بما وفقني الله إليه. ومعرفة الأسباب الجوهرية وضرورية لأن من غير الشخيص لا يمكن وضع الدواء, فالدواء والعلاج غير القائم على التشخيص والدراية وإن نفع وقتا لكنه لا يصلح به الحال. والله الهادي للخير.

الفرقان مركز المعلومات والأرشيف العدد 13533 التاريخ 9/7/2004
إرهاصات ما قبل التفجيرات (4من5)
الحقد والرغبة في الانتقام
قد أعمى الحسد عقول هؤلاء فلم يميزوا بين الحق والباطل وهذه سمة أهل الأهواء في القديم وأضيف للحسد الرغبة التي ولدتها الفتاوى المجيزة للانتقام .
إن الناظر لكثير من الأطروحات التي طرحها مفكرو الجماعات الإسلامية – خاصة بعد حرب العراق – كلها تدور حول الوضع الاقتصادي في دول الخليج وأن هناك تبذيرا وتبديدا لثروات الأمة ومن تابع تلك الفترة سمع الأراجيف العجيبة .
وسعوا من خلال ذلك إلى خلق فتنة بين الحاكم المحكوم ومما يستغرب له ويتعجب منه الإنسان العادي أن هؤلاء قاطبة سكنت السنتهم وجثت أقلامهم عن قصور صدام وعن دول أخرى مثل ليبيا وغيرها لم يتعرضوا لهذه الجمهوريات وقصور أربابها التي فاقت قصور أهل الخليج لم ذكروا شيئا ن سفرائهم إلى بلاط الغرب ولم يذكروا شيئا عن الخلافات وإنما ركز البحث والتنقيب فقط على دول الخليج وهذا هو بيت القصيد
نحن لا نزعم أنه لدينا أثرة وإسراف وأمور يعقلها كل بصير ، لكن نرى أن لدينا خيرا كثيرا والحمد لله فإننا ننكر المنكر وفق قواعد الشريعة لا قواعد الهوى والحقد فالحقد أعمى القلوب وحجب عنها نور الحق .
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساويا
وهذا الحقد قد عذاه مفكرو الضلال ومفتو الجماعات ، كما غذي ابن سبا وقومه النفوس على عثمان رضوان الله عليه
وحتى تدرك حجم كارثة هذه الانحرافات الفكرية لك أن تتصور حال عثمان رضى الله عنه فقد كان في شبابه منفقا ماله يرد وجه الله وهو حال يريد الدنيا، ثم عندما كبر سنه ورق عظمه يلعب بأموال الأمة !!!ثم يأتي من المفكرين كسيد قطب ويصدق هذه المقولة ويجعلها أساس الظلم !! فاعقلوا هذا هديتم للرشد.
رابعا: السكوت على المنحرفين وإحسان الظن به : لقد فرض الله جل وعلا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر حماية للأمة
من الفساد والعبث ، ولقد انحرفت طائفة بفهم ضال حيث حصرت الإنكار فقط في الحكام والعصاة وأهملت عن عمد منكر أهل البدع والأهواء أما لأهل الحق وأهل السنة فإنهم أعملوا النصوص حيث جاءت فأنكروا منكر الحكام والعصاة كذلك أهل البدع والأهواء وقد نص العلماء على التحذير من أهل البدع فقال الشافعي رحمه الله (( حكمي في أهل البدع أن يضربوا بالجريد والنعال )) والضرر الذى لحق المسلمين من جراء السكوت على أهل البدع كبير ، وهذا التمييع هو فقه من لا فقه لديه بالنصوص ، فهم يريدون التجانس مع جميع أهل الأهواء والسلفيين يريدون التمايز بين أهل الحق والباطل وأهل الباطل ومن التحذير م ذلك قوله جل وعلا : { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } [ الأنفال :25 ] قال الحافظ بن حجر : عن ابن عباس قال :(( أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بن أظهرهم فيعمهم العذاب )) ولهذا الأثر شاهد م حيث عدي بن عميرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول )) إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم
وهم قادرون على أن ينكروه ، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة )) أخرجه أحمد بسند حسن وهو عند أبي داود من حيث العرس بن عميرة وهو أخو عدي وله شواهد من حيث حذيفة وجرير وغيرهما عند أحمد وغيره ( الفتح )
وأبى – عبد الله – أسوق لك هذه النصوص لتعلم أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأكرر لك مذكرا أن الأمر ليس محصورا في المعاصي فاعقل هذه النصوص :
قال جل وعلا: { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم } [ الأنفال: 25 ]
وقال سبحانه عن بني إسرائيل: { فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون } [ الأعراف: 165 ]
وأما سنة المطهرة فقد استفاضت الاحاديث بشأن الأمر بالمعروف وهكذا أصلحك الله .عنن النعمان بن بشير رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا لى سفينة ، فصار بعضهم أعلاها وعضهم أسفلها وكان الذين في أسفلها إذ استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا فى نصيبنا خرقا ولم نؤذى من فوقنا :فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا )) رواه البخاري
عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنتة ويقتدون بأمره ، ثم إنهم تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ،ويفعلون مالا يؤمرون ، فمن جاهدهم بيده فهوا مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهوا مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهوا مؤمن ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل )) رواه مسلم
عن أم المؤمنين أم الحكم زينب بنت جحش رضى الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل فزعا يقول ، لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ، وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها ، فقلت : يا رسول الله أأنهلك وفينا الصالحون ؟ قال نعم ، إذا كثر الخبث )) متفق عليه
عن حذيفة قال (( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم )) رواه الترمذي وقال حديث .حسن ،،
عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتقى الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ، ثم يلقاه الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ، فلما فعلوا ذلك ضرب الله على قلوب بعضهم ببعض )) ثم قال: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ، ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم } إلى قوله : فاسقون )) [ المائدة: 81.78 ] ثم قال (( كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق إطرا ،ولتقصرنه على الحق قصرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ، ثم ليلعننكم كما لعنهم )) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن .
وهذا لفظ أبي داود ، ولفظ الترمذي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علمائهم فلم ينتهوا ، فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم ، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بم عصوا وكانوا يعتدون )) فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متكئا فقال (( لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطرا )) فكما مر عليك يا عبد الله من النصوص السابقة فإن الله عز وجل جعل الساكت شريكا في الجريمة للفاعل فتدبر ذلك وليعقله قلبك وإني لأعتقد جازما أن كثيرا من الانحرافات مرادها إلى سكوت أهل الحق عن البيان لاعتبارات كثيرة أهمها :إحسان الظن . وتلمس الأعذار لمن وقع في الانحراف والذي يتدبر عموم النصوص الاّمرة بحرب الخوارج يجد أنها جازمة في الحرب وليس فيها التماس عذر لهم ، بل ليس فيها النظر إلى عبادتهم وزهدهم وورعهم .لذلك لم يجد الصحابة الكرام في أنفسهم حرجا وهم يقاتلون هذه الطائفة المارقة .
أما أصحاب الورع الكاذب والمتعالمون فهم الذين ينباكون على هؤلاء المفسدين مطالبون بالتماس الأعذار لهم .
وبهذا تدرك يا عبد ا لله منهج الصحابة ومن تبعهم في حرب أهل الأهواء وتمايز الصف بين منهج الذين يميعون الدين ويضعون حقيقة الولاء والبراء .
والله الهادي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *