وقف المسلمون يوم عرفات، ورفعوا أكُفَّهم إلى السماء، ودعوا بما شاءوا من دعوات، وتنوعت الدعوات، ولكن هناك أمورًا غابتْ عن بعض الداعين.
ومن هذه الأمور: أنه لا بد من ربط بين العمل والدعاء، فالذي يسمع دعاء المسلمين ويرى أعمالهم يصاب بذهول وعجب، فأنت ترى المرابي الذي خالط الربا ماله بل هو مؤسس مؤسسات ربوية تجده يرجع من الحج، وبعد أن وقف في عرفات، ولعله بكى هناك؛ تجده ينسى هذا كله ليوقع معاملاتٍ ربوية، بل ليعلن الحرب على الرب الذي دعاه وتضرع إليه، ولم أجد تفسيرًا لهذا التناقض.
فالكثير ممن يحجون لا يدعوهم أحدٌ إلى الحج، ويذهبون بمالهم الخاص، ولكن بعد الرجوع يعملون كل المعاصي التي كانوا يفعلونها.
لذلك نقول بإخلاص لهؤلاء: إن الحج كفَّر الذنوب وسترها، والرب تعهد بالعفو، فهل أنتم منتهون؟
ونقول لهؤلاء الإخوة الحجيج: ﴿يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا ٱسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَٱعْلَمُوا أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: ٢٤]، ويقول الله تعالى: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ﴾ [آل عمران: ١٨٥]، ويقول: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ ٱلْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [الحجر: ٣].
وبعد: يا من ذهبت ولبيت ربك وكبرت الله، لا تكن الدنيا أكبر عندك من الله، ونقول كما كان رسولنا ﷺ يقول: «ما رأيت مثل النار نام هاربها، ولا مثل الجنة نام طالبها».
فشمّر -يا عبد الله- ودع عنك التراخي وطول الأمل، وما الدنيا باقية لك، فلا تدخل النار ليتمتع بمالك الآخرون.