السالك إلى الله لماذا يعارض؟!

دأب كثيرٌ من الناس التحدث عن سلبيات بعض الملتزمين بالإسلام ممن يسمون عرفًا بـ «المُتدَينين»، وذلك أن بعض مَن هجر الطاعة وابتعد عن التطبيق العملي للإسلام، واكتفى بكونه مسلمًا بالوراثة؛ هذا الصنف كأنه غاظه أن يرى غيره يتَّجه نحو الإسلام عملًا وتطبيقًا بعد أن أقرَّ به قولًا، ومن ثَمَّ ذهب يطلعه أقوالًا ما هي في الحقيقة إلا تبرير لانحرافه، أو قل: هو خداع لنفسه أو تلبيس عليها لتستمر في المعصية وتنغمس في الرذيلة؛ حتى يصبح المرء عبد نفسه وهواه.

فأصبح الشاب المتدين يسمع أنواعًا من الأقوال: رجعي! متأخر! عايش في القرون الوسطى! عميل أمريكا! إلى غير ذلك من الأقوال.

وتسمع الفتاةُ، وخاصةً بعد أن تطبق حكم الله فلا تُظهر من جسدها ما حرّم الله، فتسمع أنها فعلت ذلك لستر عيوبها أو بحثًا عن عريس أو تقليدًا أو حبًّا في الشهرة.. إلى غير ذلك من ألوان الأقوال تنطلق، فيظنها ضعاف العقول أنها حقائق وليدة دراسة أو بحث.

فهذه الأقوال التي تسمع، يجب أن يَعلم السائرُ إلى الله أنها أقوال الجبناء الضعفاء الذين قد مسّهم الشيطان فساروا خلفه.

والسائر على طريق الله لا بد له أن يعلم بأن الخير والشر والهدى والضلال مستمرٌّ في الكون؛ لأن الله أراد ذلك، وحتى يظهر الخير من الشر.

والناس في الكون فريقان ووسط؛ فريق خير وداعٍ إلى نور، وفريق شر وداعٍ إلى نار، والوسط هو المدعو، فإما إلى النار أو إلى الخير والهدى والجنة، ﴿وَيَاقَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى ٱلنَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى ٱلنَّارِ﴾ [غافر: ٤١]. 

 وتعهد الشيطان أن يذكّي نار الحرب ويكون شيخ الضلالة، ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَٱلْحَقُّ وَٱلْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص: ٨٢-٨٥].

واقرأ في القرآن هذه المحاورة: ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ ٱلْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ * أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا ٱلْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ﴾ [الصافات: ٥١-٦١].

ثم انظر -رحمك الله- إلى الصراع في الآخرة بين مَنِ اتبع الشيطان ودعي إلى ذلك، ﴿هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو ٱلنَّارِ * قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ * قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي ٱلنَّارِ * وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ ٱلْأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ ٱلْأَبْصَارُ * إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ﴾ [ص: ٥٩-٦٤].

والصراع في الدنيا موجود محسوس، وبه تستمر الحياة، وهكذا خلقها الله ليميز الخبيث من الطيب، وكثير يقفون في صف الشيطان، ويجنّدون أنفسهم له دون علم وإدراك، ولكنه الهوى والنفس، ولذلك قيل:

وخالفِ النفسَ والشيطانَ واعصِهما

وإنْ هما محّضاك النصح فاتَّهمِ

وفيما سقت لك كفاية لمن نصح نفسه، وقد تنفع الذكرى فيكف لسانه، فقد يقول الرجل كلمة تذهب به إلى النار.

فمن لم يوفق للطاعة عليه السعي لها وبذل أسبابها؛ فذلك أنفع له من التعرض للطائعين لربهم.

وأما المهتدون العابدون فلهم نقول: لا يضركم أحد، ولا يغرنّكم كثرة المبتعدين عن الطاعة، ولا تستوحشوا لذلة السائرين؛ فأنتم على الحق والهدى والخير.

واعلموا بأن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي يعتزل، ولْنقدّم الإسلام إلى الناس بسلوكنا، وعلمنا أن الناس ينقصهم المسلم القدوة، فليكن كل واحد هو القدوة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *