مناقشة هادئة لخطبة الشيخ/ طايس الجميلي
استمعت الجمعة الماضية إلى الأخ الشيخ/ طايس الجميلي في جامع «العلبان»، وكانت الخطبة جيدة ومؤثّرة؛ إذ كانت ترغِّب في التوبة وترهّب من الانزلاق في المعاصي، وقد أجاد الشيخ في ذلك كعادته. وبعد أن وصف الذنب ورغَّب في التوبة منه انتقل إلى بيان بعض أمور تساعد الإنسان على السير في الطاعة، وتشد من عضده لترك المعاصي، ومما قاله حفظه الله:
١. إنه كان بعض السابقين وقد حفر له قبرًا في داره، وكان ينزل فيه وينام في اللحد، ويقول: رب اليوم لعلي أعمل صالحًا، وبعد أن يخرج من اللحد يقول لنفسه: ها قد أُرجعت فماذا أنت فاعلة؟
٢. والأمر الثاني أنه -حفظه الله- ساق قصة شاب مصري التجأت إليه فتاة لظروف قاهرة، ولم يكن في الشقة غيره، وفي منتصف الليل راودته نفسه أن يفعل الفاحشة وقاوم نفسه وصلى وقرأ القرآن؛ إلا أن نفسه تراوده، وأخيرًا أشعل نارًا وبعد ذلك عرَّض كتفه للنار، بعد أن احترق كتفه هدأت نفسه وانشغل بالألم عن الشهوة، وفي الصباح أعلمت الفتاة أباها وكان من الوجهاء، وعرض الأب على الفتى الزواج من ابنته، وذهب الفتى إلى الشيخ/ حسن البنا -رحمه الله- وأمره الشيخ أن يرفض هذا الزواج لأنها من الأغنياء.
هذه خلاصة القصتين كما ساقها الشيخ، وأرجو أن يسع صدر الأخ الكريم -وهذا العهد فيه- لسماع رأيي فيما ساق:
تمهيد:
١. من الأمور المتفق عليها -والتي يوافق الشيخ عليها- أن الدين شريعةً وعقيدةً وسلوكًا قد بيَّنه لنا الرسول ﷺ، وما من شيء يقرّبنا إلى الجنة إلا وأخبرنا به، وما من شيء يُبعدنا عن النار إلا وأخبرنا به.
٢. إن الهدى والخير كله في هدي محمد ﷺ، والشر كله في غير هديه.
٣. إن النفس الإنسانية لا يُصلحها إلا ما جاء عن الله خالق النفس وعالمها ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ﴾ [المُلك: ١٤]. فالسلوك السليم هو المستمد من الله ورسوله، وإن الطريقة المثلى في التربية النفسية إنما تكون محصورة فيما ورد، وكما قال الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السُّنَّة: «من لم يتعظ بالقرآن فلا اتعظ».
٤. المناهج الوضعية التي وضعها الصوفية أو الفلاسفة إنما هي مناهج جرَّت على الأمة الويل، وأفسدت النفس الإنسانية بدلًا من إصلاحها.
٥. وقد يجد السالك في الطريق العمومي بعض منافع في التربية وسكون للنفس، ولكن هذا لا يعني أنها حق؛ بل هي طريقة بوذية تقوم على تعذيب النفس.
مناقشة القصتين:
١. القصة الأولى والتي حفر صاحبها القبر لنفسه، ساقها الشيخ -حفظه الله- كطريقة لتربية النفس وتذكيرها، ولم يخبرنا الشيخ عن هذا الصالح، ولو كانت هذه طريقة مقبولة ونافعة لعلَّمنا إياها خير البشر، فتهذيب النفس من العبادة، فكيف نبتدع طريقة صوفية! وهل يريد الشيخ أن نحفر في منازلنا قبورًا حتى نخاف الله؟
فهذه طريقة صوفية في التربية، وما جاءنا عن الله ورسوله فيه الكفاية.
٢. أما القصة الثانية فقد عجبت كيف أثنى الشيخ على صاحبها وقد ارتكب محرمًا، فهو أدخلها داره، وهذا مخالف فيه للشرع.
ولكن، وقد اضطر لذلك فلديه طرقٌ أخرى لكبح نفسه، ثم ألا ترى معي -فضيلة الشيخ- أن سياق القصة يقلل من القرآن كعلاج للنفس وهو شفاء لما في الصدور؟! فهذا قرأ القرآن وصلى، فالذي لا ينفعه القرآن والصلاة ففي أمره نظر.
ثم كيف يعذب نفسه وتعذيب النفس حرام؟! بل لو مات من وراء ذلك لكان قاتلَ نفسِه!! ثم هل يقتدي به شبابنا الآن فيحرقون أجسادهم منعًا للمعصية؟ فالقصة مدارها على أنه أحرق جسده، فهل تنصح الشباب الآن بأن يفعلوا ذلك والله في غنى عن تعذيب العبد نفسه؟!!
فهذه الطرق التي أخذها الصوفية من البوذية ليست إسلامية مطلقًا.
والأمر الثاني: هو أمر الشيخ/ البنا -رحمه الله- له بترك زواجها لأنها غنية، وهذا مخالف للدين أيضًا والرسول ﷺ تزوج خديجة وهي غنية.
وبعد، فأرجو من الإخوة الخطباء الالتزام والابتعاد عن القصص الصوفية الخرافية، وفي الكتاب والسُّنَّة كفاية.
وأخيرًا لعل قائلًا يقول: لماذا هذا المقال؟ ألا يكفي أن تتصل بالشيخ وهو صاحبك وتقول له ذلك؟
وجوابي:
أن التناصح من سمة الإسلام، وأن تبادل الرأي لا يخدش أخوة الإسلام، واللهَ أسأُل أن يوفقنا لما يحب ويرضى.