يومًا بعد يوم يزداد الإقبال على الإسلام والتمسك به، وخاصة بين المثقفين من الشباب، وهذه العودة الجماعية ليست في بلد دون آخر، بل هي موجةٌ عالميةٌ، حتى روسيا والصين يُلاحَظ فيها هذا الرجوع إلى الإسلام، ولا شك أن هذه الظاهرة الصحية قد سُرَّت لها نفوس وضاقت بها أخرى.
فرح الموحدون عندما رأوا هذا الإقبال، وضاق المنافقون ذرعًا له، وحتى تأتي هذه العودة أُكلها وتجني المجتمعات الإسلامية الثمار الطيبة منها ويعم هذا الخير؛ نرى أنه لا بد من بعض الملاحظات على هذه المسيرة الطيبة:
أولًا: لا يخفى على الجميع -وطلاب العلم خاصة- أن الإسلام قد دخله تشويه، وحاول الأدعياء إدخال ما ليس منه فيه، وذلك عبر التاريخ وخلال الفترات العصيبة التي مرَّت على الأمة، والذي يطالع التاريخ في عهد حكام مصر أيام دولة العبيديين -والذين سُموا زورًا بالفاطميين- وكذلك الدول التي ظهرت في تلك الفترة، وما أدخلوا في الإسلام من بدع وخرافات، ثم كذلك هذا الركام من آراء الباطنية وبقايا الوثنية الفارسية المتمثلة في عبادة القبور والطواف حولها والذبح للأموات والحلف بها، وغير ذلك من مظاهر شركية منتشرة في دنيا المسلمين شرقًا وغربًا.
وثالثة الأثافي هي تلك الأفكار والآراء التي أخذت من الوثنية حول النبوة وصفات الرب سبحانه وتعالى؛ فهذا الركام من الخرافات والانحرافات لا بد له من معالجة شاملة بالبيان والحجة والمتابعة اليومية؛ حتى يعود الناس لدينهم الذي أنزل من السماء، وتكون عودةً راشدةً، وإذا لم يقم بهذه العملية لتنقية الشريعة والعقيدة من كل مخالف لكتاب الله تعالى وسنة نبيه ﷺ؛ فإن العودة تحمل مخاطر على المجتمع.
ثانيًا: ولا بد أن تواكب عملية التنقية عملية أخرى لا تقل أهمية عنها، وهي التربية السلوكية، إن الإسلام عقيدةٌ وعملٌ، تصور وسلوك، والفصل بين قضاياه العقائدية والعملية إنما هو من فعل اليهود والنصارى، والمشكلة التي يعانيها الكثير من الناشئة أن الكثير يدَّعي الإسلام ويكتب عنه، ولكن سلوكه مخالف تمامًا لهذا الإسلام الذي يدعو له، وهذا هو السبب في عدم قدرة الإعلام الرسمي على التوصل لإقناع الناشئة بما يقوله.
ومن هنا نشأ الانفصال بين الإعلام الرسمي الديني وبين الناشئة؛ لأنهم يرون السلوك مغايرًا للعمل.
وحتى الدعاة إلى الإسلام نجدهم قد خالف قولهم فعلهم، وقد حذّر الله سبحانه من هذا ﴿يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٢].
وبغير هذين الأصلين لا يمكن أن تستقيم الحياة، ولا يمكن أن تستفيد الأمة استفادةً حقيقيةً من هذه العودة الطيبة؛ إذ إن العودة للإسلام غير النقي قد تكون أخطر من اللاعودة، ومسئولية التنقية والتربية مُناطة بأهل العلم والرأي؛ إذ هم المنار المقتدى به، أما كيف يمكن أن يكون هذا فله حديث آخر بعون الله تعالى، والله الموفق.