قال الشيخ عبد الله السبت: إن كثيرًا من نساء المسلمين ضعن بين بهرج الحياة وزخرفها، والانشغال في متاعها، واللهث وراء ما ترميه بيوت الأزياء، وبين ما يرمى من أفكار وتيارات يراد للمرأة أن تنخرط بها لتكون خارج إطار الإسلام؛ حيث إن المرأة المسلمة مستهدفة.
وأضاف: إننا لا بد أن نعلم أن النساء شقائق الرجال، وأن ما فرضه الله -سبحانه وتعالى- على الرجال إنما هو على النساء أيضًا، وحتى في قضية تأسيس المجتمع جعل الله المؤمنين والمؤمنات في إطار واحد.
جاء ذلك في محاضرته التي ألقاها في مقر اللجنة النسائية بجمعية إحياء التراث الإسلامي تحت عنوان: «المرأة والتيارات المعاصرة»، وقد بدأ المحاضر الشيخ/ عبد الله السبت بقوله: إن المرأة المسلمة تواجهها تيارات واتجاهات لجرّها إلى الدنيا؛ حتى تنسى وظيفتها الأساسية وهي أنها مسلمة، وأنها تريد ما عند الله سبحانه وتعالى، وأنها تريد الجنة، واتجاه آخر أراد أيضًا أن يجرف العاقل منهن، وهو إشغال المرأة وجعلها تدور فيما ليس من اختصاصها وشأنها، ألا وهو عمل السياسة ودنيا الحكم، وبين هذين الأمرين ضاع كثير من نساء المسلمين، بين بهرج الحياة الدنيا وزخرفتها والانشغال في متاعها، واللهث وراء ما تفرزه وترميه البيئة وما ترميه بيوت الأزياء، وبين ما يرمى من أفكار وتيارات يراد للمرأة أن تنخرط بها لتصبح هي والرجل شيئًا واحدًا، وهذا كله في خارج إطار الإسلام، والمرأة المسلمة مستهدفة، وكثير من نساء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها قد أخذ كل طائفة منهن نصيبها، فأهل الدنيا وأهل الفساد وأهل الملذات وأهل الموضة والأزياء قد أخذوا قطاعًا كبيرًا جدًّا من نساء المسلمين، وأيضًا أهل السياسة أخذوا قطاعًا كبيرًا من نساء المسلمين، وبقيت القلة المؤمنة الصابرة، ولذلك على هذه القلة أن تدرك ماذا يريد الله -سبحانه وتعالى- منها، وماذا يريد أعداء الله -تبارك وتعالى- منها.
دور المرأة:
ثم انتقل الشيخ/ السبت بعد ذلك للحديث عن دور المرأة المسلمة في المجتمع كما أراد لها الله سبحانه وتعالى، فقال: لا بد أن نعلم أن النساء شقائق الرجال، وأن ما فرضه الله -تبارك وتعالى- على الرجال إنما هو على النساء، وحتى في قضية تأسيس المجتمع جعل الله -تبارك وتعالى- المؤمنين والمؤمنات في إطار واحد، وذلك في قوله سبحانه: ﴿وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ﴾ [التوبة: ٧١]، فإذًا ما ثبت من تشريع في حق الرجال فهو ثابت في حق النساء إلا ما جاء دليل يخصه.
ثم تطرق بعد ذلك لقضية مهمة لكل مسلم ومسلمة وهي قضية العلم والتعلم، فقال: إن المرأة لا بد لها من العلم حمايةً لنفسها ولبنيها، ولا بد لها بعد ذلك من العمل بهذا العلم، فالعلم يحميها من الجهل، والجهل في نفسه آفة؛ لأن الإنسان إذا عبد الله على جهل، فإن الله -تبارك وتعالى- لا يقبل منه وإن حسنت نيته، فإن النية الحسنة لا تحسن العمل السيئ، وما يجري الآن في دنيانا وما نشاهده فإن الكثير منه آفته الجهل، كذلك فالعلم يحميها من الانزلاق في الفتن التي يعجّ بها عالمنا.
نشأة الفرق:
وبلمحة سريعة موجزة تحدث المحاضر عن كيفية نشأة الفرق التي تعج بها الساحة الإسلامية الآن، فقال: لنذكر بإيجاز كيف نشأت هذه الفرق والتيارات، فالأمة كانت أمة واحدة، وقد أخبر الرسول ﷺ في حديث بأن الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة بعد افتراق اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة والنصارى إلى ثنتين وسبعين فرقة، وبيَّن أن الفرقة الناجية هم الجماعة وهم الذين قال فيهم: «ما أنا عليه وأصحابي»، ثم بعد ذلك انقسمت الأمة إلى أمم، وأصبح عند المسلمين فرق ومذاهب وطرق، وبعد سقوط خلافة بني العثمان تغير الحال وأصبح في الجماعة الواحدة مذاهب فقهية متعددة وفرق عقائدية متعددة، ولذلك أصبح عالمنا يعج الآن بأسماء جديدة يظن ألّا علاقة لها فيما مضى، والحقيقة إنما هي جزء من ذلك الماضي، بل إن الماضي كله متلبس في هذه الفرق والجماعات والطرق؛ لذلك نقول: على المرأة وعلى الرجل أن يدرسا أولًا الأصل الذي هو الفرق، ثم ينظرا في عقائد المشايخ المشهورين والدعاة الموجودين إلى أي عقيدة ينتمون.
ولبيان المنهج الإسلامي الصحيح، وما يجب علينا الأخذ به؛ قال الشيخ: إن علينا أن نعلم أن الله -تبارك وتعالى- ألزمنا بالسير على منهج الصحابة -رضوان الله عليهم- بقوله سبحانه وتعالى: ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَوْا﴾ [البقرة: ١٣٧]، يبقى بعد ذلك أن ننظر إلى كل ما في الساحة الإسلامية الآن، ونقيسه على هذا الأصل لا على أقوال الرجال، فالرجال لا يقام عليهم ولاء ولا براء، وإنما الولاء والبراء يقام على المنهج، إذًا: ملخص الأمر أنه لا بد من دراسة مبسطة للفرق الإسلامية القديمة؛ لأنه لا توجد فرقة جديدة الآن أو مذهب جديد إلا وله أصل سابق قديم ينتسب إليه -كما ذكرت آنفًا.
وفتح بعد ذلك باب الأسئلة، والتي أخذت وقتًا طويلًا، وكانت كثيرة ومتشعبة، وكان منها سؤال من إحدى الحاضرات جاء فيه:
هل من الواجب عليَّ أن أتعلم اللغة العربية بمعنى التكلم بالفصحى، وأيضًا التجويد ومصطلح الحديث، أم أن هذه العلوم مرغوب عنها ولا إثم علي؟
فأجاب الشيخ عن هذا السؤال بقوله: إن هذه العلوم لا شك أنها من فروض الكفاية، ولكن ينبغي على الإنسان أن يقوِّم لسانه وأن يتدرب على ذلك، وأن يتعلم من اللغة العربية ما يستطيع أن يفهم فيه الدين، ولا بد من تحبيب الأبناء باللغة العربية؛ وذلك حتى ينشئوا على حب هذه الأمة عبر هذه اللغة.
وردًّا على سؤال آخر حول الرأي الشرعي فيمن يتخذ مذهبًا واحدًا في حياته ويطبّقه في عباداته وحياته، أجاب الشيخ/ عبد الله السبت: أنه لا شك أن العامي له أن يبقى على مذهب بشرط ألَّا يتعصب إذا جاءه حديث للنبي ﷺ؛ فالعامي له حق التقليد وله أن يقلّد من وثق في دينه من أهل العلم.
ومن بين الأسئلة التي وردت للشيخ سؤال حول دخول المرأة في العمل السياسي، حيث تقول السائلة: لقد ذكرت أن أمور السياسة لا شأن للمرأة فيها، ألا تعتقد أن هذه الأمور تمس حياة المرأة مباشرة؟
فأجاب الشيخ على ذلك بقوله: أقصد بأمور السياسة ما يسمى الآن بتسييس المرأة؛ أي: إدخالها في متاهات السياسة ونكدها كما هو حاصل عند الرجال، ولا أعني أن المرأة لا تشاور في بعض الأمور المهمة أو أن يكون لها كيان ورأي، ولكن أحذّر من انزلاق المرأة في السياسة لدرجة تفقد فيها هويتها وإنسانيتها كامرأة خلقها الله لهدف معين.
وآخر الأسئلة التي تلقاها المحاضر الشيخ/ عبد الله السبت سؤالٌ يقول: إن هناك الكثير من المسائل التي تطرح ونرى خلافًا كثيرًا بين العلماء والفقهاء بخصوصها، فما موقفنا من هذا الخلاف؟ ومن نأخذ منه العلم؟
فأجاب على ذلك بقوله: إن الإنسان تجاه قضايا الخلاف أحد ثلاثة، رجلًا كان أو امرأة:
الأول: أن يكون مجتهدًا؛ أي: بلغ مرتبة من العلم.
والثاني: يكون متبعًا؛ أي: يستطيع التمييز بين الأدلة والأقوال.
والثالث: أن يكون عاميًّا فهذا يقلد من غلب على ظنه أنه من أهل الخير، فقضايا الخلاف إن كان الرجل أو المرأة فيها متبعةً -أي: تستطيع أن تميز بين الأدلة- رجّحت، وإلا نظرتْ مَنْ مِنْ أهل العلم على هذا القول فأخذت به.