تعقيب على أبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري

حول مسألة مسِّ المصحف بلا وضوء

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:

لقد اطلعت على ما كتبه الأخ الفاضل/ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري حول مسِّ المصحف تعقيبًا على ما كتبت، وكان بودي أن أكتب تعقيبًا على التعقيب، ولكن قدَّر الله أن أُشغل، ومن ثَمَّ خطر ببالي ألّا أكتب التعقيب؛ إلا أنه في الأسبوع الماضي التقيت بأخ كريم نقل إليّ أن بعض الناس قالوا في دواوينهم: إن سكوتي يعني تغييرًا لما أعتقده في المسألة، السبب الذي جعلني أبادر بكتابة هذه العجالة في الموضوع إياه.

وقبل أن ألج في الموضوع أحب بيان:

١. أني شاكر الأخ على رده؛ حيث تضمن فوائد علمية، راجيًا المولى ألّا يحرمنا الأجر عنده، وكذلك لالتزامه آداب الإسلام في المناقشة دون سباب وشتم، كما يفعل نقاد هذه الأزمان أو متزمتيهم.

٢. من تخريج الأخ الأستاذ وجمعه للأحاديث تبين أنه ليس في الموضوع نصٌّ صريح، بل ليس هناك نص معتبر يصلح للدلالة غير حديث عمرو بن حزم وحكيم بن حزام، وهذا يوافق ما قلته: أنْ ليس هناك دليلٌ غيره.

٣. أني سُررتُ كثيرًا حيث إن الأخ بنى رده على الأدلة ولم يتقيد بأقوال الرجال، بل إنه خالف شيخه ابن حزم رحمه الله، وهذه خَصْلة -والحمد لله- وصفة ملازمة لمن اتخذ الكتاب والسنة منهاج حياة ولم يستبدلهما بأقوال الرجال.

ونعود الآن لبيان الموضوع، فأقول والله المستعان وعليه التوكل:

إني في مقال سابق الذكر حول جواز مس المصحف لغير المتوضئ قلت: إن الحديث ضعّفه الكثير، ولكن بعد أن اطلعتُ على ما كتبه الأخ وغيره رأيت أن الآخر حسّنه، وأقول: إن شاء الله هو صحيح بمجموع طرقه، الحديث صحيح إن شاء الله.

ولكن إن ثبتت الصحة بقي الاعتراض قائمًا حول دلالته في المسألة، وذلك أن الحديث يقول: «لا يمس القرآن إلا طاهر»، وكان السؤال المطروح: هل المسلم طاهر أو نجس؟ فإن كان طاهرًا جاز له اللمس، وإن كان نجسًا حرم عليه ذلك، هذا هو السؤال.

وكان الجواب على ذلك أن المسلم طاهر، وهذا الحكم بأنه طاهر ثبت بحديث صحيح عن الرسول ﷺ، من حديث أبي هريرة: «سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس» رواه البخاري.

فإذا كان المؤمن وهو جُنُب ليس بنجس؛ فلا شك أنه وهو غير متوضئ ليس بنجس أيضًا، فعلى ذلك نقول: إن المؤمن طاهر، والحديث يقول: «لا يمس القرآن إلا طاهر»، والمؤمن طاهر، فإذًا له حق مس القرآن.

كان هذا هو خلاصة الاستدلال في المقال، ولم يتعرض أخي/ أبو عبد الرحمن لهذه المسألة، فأنا أوافقه أن النص ثابت، ولكن هناك نص يقول: «إن المؤمن لا ينجس»، وبما أنه لا ينجس فهو طاهر إذًا.

وحتى لو أخذنا بظاهر الحديث لوجدنا أن المؤمن لا ينجس يفيد أنه حكم بأن المؤمن له حق لمس المصحف، وأن ذاك النهي لا يشمله.

فهذه خلاصة حول الموضوع، وأقول: إن المسلم يجوز له مس المصحف بدون حائل وهو غير متوضئ، وكذلك قراءة القرآن لغير المتوضئ، ولكن لا خلاف على أنه يستحب له أن يذكر الله على طهر.

أما الجنب؛ فهذا أرجئه إلى مقال آخر، أرجو الله التوفيق لكتابته وإلقاء الضوء على جوانب الموضوع.

وخاتمة القول: أسأل الحق سبحانه أن يلهمنا الصبر والسداد، إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *