حوار حول المنهج السلفي

حوار حول المنهج السلفي

(١-٢)

يسر مجلة الفرقان أن تلتقي بأحد الدعاة البارزين والذين كان لهم باع طويل في خدمة الدعوة السلفية، ونحاول من خلال تلك المقابلة إلقاء الضوء على كثيرٍ من هموم الدعوة السلفية والعقبات التي تعترض مسيرتها.

الفرقان: بصفتكم أحد مؤسسي الدعوة السلفية في الكويت، ما رأيكم في المستوى الذي وصلت إليه هذه الدعوة اليوم؟ وما هي أهم العقبات التي تعترضها؟

السبت: المعروف أن السلفية قد بدأت بشكلها الحالي في منتصف الستينيات، وقد قَطَعَتْ شوطًا كبيرًا فتقدمت بفضل الله، ونسأل الله لها الرفعة والعلو، وأن تكون قدوة لغيرها من الدعوات، ومن أسباب قيام الدعوة السلفية أن الدعوات التي كانت موجودة لم تكن تخدم العقيدة الصحيحة، ولم تكن تميز منهج السلف عن غيره من المناهج، وقد عرفنا هذه الجماعات عن قرب ورأيناها تخلط الأمور خلطًا وليس تمييزًا في قضايا التوحيد والبدعة، وأيضًا من الأسباب أننا رأينا جماعات أخرى قد أغلقت نفسها في حزبية ضيقة مما جرَّها إلى أن يكون الحزب هو الغاية التي يلتف حولها والتي يُعادى ويُوالى من أجلها، فكان ذلك من أسباب نفورنا من تلك الجماعات التي كانت قائمة في ذلك الوقت والتنادي للسير على درب السلف، وكان من فضل الله -عز وجل- أن تيسر الأمر، ثم انتشر بفضل الله -عز وجل- ومِنَّته وكرمه.

أما المستوى الذي وصلت إليه الدعوة السلفية في الكويت فلا شك أنه مستوى متقدم، وقد أصبحت دعوة معروفة معالمها، وأصبحت قِبْلة لكل من أراد التعرف على الإسلام الصحيح.

والعالم يتجه نحو صحوة سلفية عامة، مما اضطر كثيرًا من الجماعات الإسلامية والمشايخ العاديين إلى أن يتظاهروا بتبني المنهج السلفي وتبني عقيدة السلف؛ لأنهم رأوا الشباب يتجه إلى عقيدة السلف، ولا يرتضي الشرك ولا يقر البدعة، فإذا نظرتَ إلى مصر والمغرب العربي تجد الشباب هناك يتجه بقوة نحو الكتاب والسُّنَّة، ولكن للأسف الشديد بعض قادتهم ومشايخهم يحاولون جادين أن يصرفوهم عن المنهج الصحيح، وأن يرسلوهم في دهاليز البدعة والانحراف عن منهج السلف.

أما الشق الثاني من السؤال عن أهم العقبات التي تعترض هذه الدعوة، فإن أهمها عقبتان:

الأولى: عقبة من داخل العالم الإسلامي وهي الجماعات الإسلامية، فالجماعات الإسلامية القائمة الآن هي العقبة الأولى التي تعترض انتشار الدعوة السلفية في العالم الإسلامي، وذلك أنها تحارب الشباب السلفي وتحاول جادة بيان أن ما يقوم به السلفيون في بحثهم وتعليمهم للناس إنما هو أمور سطحية كما وصفها الشيخ/ محمد الغزالي، أو إغراق في الجزئيات كما وصفهم الشيخ/ سلمان العودة، فلا شك أن هذا الوصف للدعوة السلفية وصف جائر؛ مما جعل كثيرًا من الشباب يبتعد عن تعلم العلم ويظن في السلفية القصور، فالعقبة التي تواجه الدعوة السلفية هي هذه الجماعات التي لها بروز في الساحة الإسلامية، وهم العقبة الأولى التي تواجه الدعوة السلفية.

أقول: العقبة الأساس التي تواجه السلفية من الانتشار هي هذه الحزبيات المنتشرة في العالم الإسلامي، والتي أخذت أشكالًا مختلفة؛ إما حزبية حول شيخ أو حزبية جماعات، فهي التي تعيق أو تمنع الشباب، وجعلت نفسها عائقًا بين الشباب والدعوة السلفية أن تنتشر.

أما العقبة الثانية: من الذين انتسبوا إلى الدعوة السلفية، ما تعلموها على أيدي العلماء ولا الفقه الصحيح، مما جعلهم ينسبون إلى السلف الصالح أمورًا هي حقيقة ليست من منهج السلف؛ مما نفّر الناس من دعوة السلف. 

وأنا أقول: إن هذا الجانب الأخير أحيانًا قد يكون ضرره ليس بأقل من ضرر الجانب الأول، وهو أن هناك أقوامًا انتسبوا إلى السلفية زورًا وبهتانًا وشوَّهوا الدعوة السلفية وحاولوا أن ينفِّروا الناس منها. 

إذًا: العقبات التي تواجه الدعوة السلفية إما من الداخل -من داخل الأمة المسلمة، وهي الجماعات والأحزاب والمذاهب والعلماء المخالفون للدعوة- أو من الخارج كالأمم الكافرة التي تصرح مرارًا وتكرارًا، كما صرح أحد أركان اليهود مرارًا أنه يخاف أن تنتشر السلفية في مصر. 

ومع هذا نقول: نسأل الله تعالى أن يزيل هذه العقبات، وإزالة هذه العقبات تأتي بأن يعي السلفيون دورهم المطلوب منهم، وهو الرُّقي بمستوى الدعوة السلفية علمًا وعملًا وتطبيقًا.

الفرقان: تحدث بعض الخلافات بين الدعاة السلفيين حول بعض الأمور، فهل يعود ذلك إلى عدم وضوح المنهج عند البعض أم هو لأسباب أخرى تفسرونها؟

السبت: الخلاف ينقسم إلى قسمين: إما خلاف في المنهج وأصول الفهم والاستدلال، أو خلاف في مسائل فرعية وهو الخلاف الذي يجري بين علماء الدعوة السلفية، فالخلاف الموجود الآن بين الدعاة السلفيين في أغلبه يدور حول الأمور التي قد يُفهم بعضها عند الآخر فهمًا خاطئًا، بمعنى: قد يكون لهذا الشيخ دليل والآخر له دليله كما هو حاصل الآن من خلاف بين كثير من السلفيين -سواء كانوا طلاب علم أو علماء- في قضايا الفقه الكثيرة وفروع الأمة، وهذا -أعتقد- لا يضر ولا يؤثر على الدعوة السلفية. 

خلافٌ آخر، وهو الخلاف الذي قد يسبب فُرْقةً واختلافًا، وهو الخلاف في وجهات النظر إلى الدعوات الموجودة الآن والموقف منها، ولذلك فأنا أرى لا بد في هذه القضية ألّا يكون هناك اختلاف بين السلفيين الآن؛ لأن ذلك يعني أن أحدهم عنده خلل.

إنه لمن الطبيعي أن تختلف الأمة في قضايا الفقه وفي قضايا الأولوية، وأن تختلف في قضايا من الأمور المطروحة من تصحيح حديث أو تضعيف حديث، أو في قضية من قضايا الواقع، فهذا أمر سائر طبيعي وبديهي، وقد جرى بين الصحابة والتابعين وعلماء الأمة إلى يومنا هذا، ولكن السلفيين في تاريخهم الطويل القديم والحديث ما اختلفوا في قضايا المنهج والعقيدة أبدًا، وكذلك كان موقفهم من البدع والأفكار الهدامة واحدًا لا يتعدد.

الفرقان: ما هي أهم القضايا التي يجب أن يركز عليها الدعاة السلفيون، ويتميزون بها عن الآخرين؟

السبت: أنا قلت في أول الحديث: إن من دواعي قيام جماعة سلفية في الكويت أننا وجدنا أن الجماعات القائمة آنذاك -وهي جماعة الإخوان أو جماعة التبليغ- لم تقم بالتمييز العقائدي، ولم تقم بإظهار العلم والدعوة إليه والتعلم بقدر صحيح، فكان هذا من دواعي قيام الدعوة السلفية، والسلفيون يجب أن يكون عندهم تمييز في قضيتهم الأساسية وهي قضية العقيدة، وما تميز السلفيون في تاريخهم كله إلا لأنهم حُمَاة لعقيدة التوحيد، فهم الشهداء الذين سيشهدون على الناس، والذين وصفهم الله بقوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى ٱلنَّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٣]، فالسلفيون -الذين هم الفرقة الناجية والذين هم الطائفة المنصورة- هم شهداء على الناس في أهم جانب، هل هؤلاء الناس قد أصابوا التوحيد أم خالفوا فيه؟ 

لذلك فإن أهم قضية يجب أن يركز عليها السلفيون هي أن يركزوا على الجانب العقائدي، وأن يظهروا العقيدة، وأن يظهروا أضرار الشرك، ومن أهم وأبرز الأمور أن يظهروا الولاء لأهل التوحيد والبَراء من أهل البدع، وأن يكون ديدنهم كشف أهل البدع وجعله قضيتهم وشغلهم، وما عُرف الإمام أحمد وابن تيمية وغيرهما إلا بكثرة ما ذكروا وما بيّنوا في كشف أهل الباطل؛ بل إن معظم ما كتبه علماء السلف كان حول أهل البدع وبيان ما عندهم من انحراف، وبيان الحق من الباطل، هذه ضرورة لا بد أن يقوم بها السلفيون لأنهم حماة التوحيد وحماة العقيدة، وهذه هي وظيفتهم التي استحقوا أن يكونوا الطائفة الناجية المنصورة بسببها وهم أهل الحديث، فإذا تخلوا عن هذه الوظيفة أصبحوا هم والناس سواء. 

إذًا: القضية التي يجب التركيز عليها هي قضية إظهار العقيدة وما يتفرع عنها من أمور.

ومن أهم الأمور التي تتفرع عنها هي إظهار أهمية وخطورة الابتداع في الدين، وعداوة أهل البدع والأهواء الذين يعيشون في عصرنا هذا، والتميز عن بقية الدعوات التي تحاول أن تميَّع قضية الخلاف، وأن تجعل الخلاف جائزًا في كل شيء حتى في العقيدة!!

فالسلفيون امتازوا عن غيرهم بوضوح الرؤية، وعندهم بروز في قضية العقيدة، وإذا ضاع منهم هذا فما بقي من سلفيتهم شيء.

الفرقان: ما هو تقييمكم لتجربة السلفيين في الكويت؟ وهل هناك أمور تحثهم على التركيز عليها؟

السبت: لا شك أن الدعوة السلفية في الكويت مرَّت بعدة أخطاء، وذلك لقلة العلماء السلفيين، ولأن عامة الشباب الذين يحملون الدعوة شباب ناشئ، ولكن الله مكّن لهم وتعلموا العلم، وأصبح الآن -من فضل الله- لدينا مجموعة كبيرة من الشباب السلفي الكويتي الذي عنده علم وفقه وعنده علم الحديث وعنده التوحيد الصحيح، وأصبح لدينا مجموعة كبيرة من طلاب العلم، هذا فضل من الله وحده سبحانه وتعالى، وهذه إحدى الفوائد الكثيرة للجماعة السلفية في الكويت.

أما الأمور التي يجب أن يُرَكَّز عليها الآن؛ فهي التركيز على إخراج العلماء، فهذه الدعوة تختلف عن غيرها من الدعوات أنه لا يصلح لها الترقيع ولا يصلح فيها التجميع، وإنما هي دعوة تقوم على أساس تعليم الناس الدين الذي جاء من السماء، فالذي يجب أن يركز عليه الإخوة ويكثفوا له الجهود -وأنا أرى أن هذا الجانب لم يُعطَ حقه العناية الكاملة من البحث والجهد-، هو إخراج العلماء، بمعنى: أننا بحاجة إلى معهد شرعي يخرّج لنا علماء وبحاجة إلى دار لتخريج المحدّثين ودار لتخريج الفقهاء ودار لتخريج المفسرين، وأن يكون في هذه الدار نخبة من العلماء، والإمكانيات المادية الآن متوفرة بفضل الله.

ولذلك أنا أدعو الإخوة إلى التفكير في إيجاد معهد علمي شرعي، يدعى إليه مجموعة من العلماء يتخصصون لتخريج مجموعة من الشباب القادرين على حمل هذا العلم، وأن يجعلوا البلاد كما هي الآن بلاد خير، بلاد دعوة، أي: أن تكون بلادًا تُقَدّر العلم وتُصَدّر الدعوة إلى العالم الإسلامي، وأنا أوصي إخواني بأن يجتهدوا على إظهار الجانب العلمي، وخاصة الإخوة الذين تخرجوا في الجامعات السعودية، وهم كُثُر بفضل الله؛ أن ينشئوا معهدًا شرعيًّا ولو لفترة مسائية، ولا يشترط حتى أن يعطوا شهادة، المهم إنشاء هيئة علمية شرعية تتولى تخريج علماء، وهذه ضرورة؛ فإن الأمة لا تُساس إلا بعلمائها.

الفرقان: يتعرض مشايخ الدعوة السلفية في الجزيرة العربية لعدة طعونات من بعض المغرضين، منها: عدم فهم أو مجاراة الواقع وعدم وضع حلول لمشاكل الأمة، والتركيز على أمور هامشية، ما هو الرد على ذلك؟

السبت: الحقيقة أن هذه القضية -كما يقولون- قضية شائكة، ولو كانت الطعونات من المغرضين فقط لهان، ولكن المشكلة أن الطعونات تأتي كثيرًا من غير المغرضين، أنا أعتقد بأنه لا يوجد الآن في العالم الإسلامي بلاد فيها مجموعة من علماء التوحيد وعلماء العقيدة الصحيحة ومشايخ يحملون الدعوة السلفية كما هو في الجزيرة العربية والسعودية بالذات ويليها بعد ذلك مصر، لكن لا أعلم بلادًا فيها من كثافة من العلماء، وكذلك من الدعاة عندهم وضوح منهج ووضوح عقيدة ودعوة إلى ذلك وتصريح فيه ومحاربة للبدعة وإظهار للسنة كما هو عند علماء الجزيرة.

أما الدعوات الموجودة الآن في العالم الإسلامي والتي -للأسف الشديد- قد فرّقت الدعاة في السعودية وفي الجزيرة، وأصبح لها من أبناء الجزيرة الآن من يدافع عنها ويتكلم باسمها، هؤلاء يؤذيهم أن يكون للعامة تعلق بالمشايخ، ولذلك حاولوا جاهدين أن يتهموهم بصفات متعددة، واستغلوا قضية حرب الخليج واتهموهم بالجهل! واتهموهم بالعمالة! واتهموهم بأنهم مشايخ سلاطين! واتهموهم بأنهم عبيد لسادتهم الأمريكان!

إلى سلسلة من الطعونات ذكرها صاحب مجلة «السنة»، وتلقّفها أبناء الجزيرة -للأسف الشديد- وطاروا بها فَرِحينَ دون علم بأنهم إنما يتكلمون في أهل التوحيد.

أقول: إن الذي يتعرض له المشايخ الآن -في الحقيقة- هجمة شرسة منظمة، هدفها إسقاط هيبة العلماء عند العامة؛ حتى إذا اقتنع العامة بأن هؤلاء العلماء إنما هم عملاء لأنهم يدافعون عن السلطة، إذًا لِنَلْتفّ حول هذا النشء الجديد الذي لا يدافع عن السلطة ممن ليست لديهم التجربة، ومن الذين أغرقوا أنفسهم بهذه الحزبية الضيقة وحاربوا دعوة التوحيد الصحيحة!!

لذلك نقول: إن الرد على هؤلاء يأتي من وجهين:

الأول: يجب أن نقف كطلاب علم ودعاة وقفة واحدة مؤيدين ومدافعين ومتحمسين مع علماء الدعوة، وأن نبين أنهم هم على الدرب الصحيح.

ولذلك أقول: يجب أن يكون عندنا تأييد ومساندة لعلماء الدعوة السلفية في الجزيرة العربية في مشايخها المعروفين: الشيخ/ ابن باز، والشيخ/ ابن عثيمين، والشيخ/ صالح الفوزان، والشيخ، ربيع بن هادي المدخلي وغيرهم من علماء الدعوة المعروفين المشهورين، فهؤلاء يجب أن ندافع عنهم، وأن يكون دفاعنا هذا تقربًا إلى الله سبحانه.

الفرقان: نصيحة توجهونها للشباب السلفي؟

السبت: الذي ألاحظه أن كثيرًا من الإخوة أصبح عنده ضيق أفق في تحمل آراء المخالفين، بينما ينبغي -خاصة على الإخوة السلفيين- أن يكون عندهم سعة صدر في سماع آراء المخالفين، والرد عليهم بالحجة والبيان؛ فإن كثيرًا من الناس -كما يقولون- أعداء ما جهلوا، فإذا استطعنا بالحجة والبيان والإقناع أن نظهر طريقتنا وأن نظهر منهجنا؛ فلا شك أن هذا هو الأكمل.

الأمر الثاني: أن ليس هناك من طريقة إلى سيادة الدنيا والآخرة إلا بالتعلم -لا بد أن نرجع إلى الكتب طالبين العلم ومتعلمين- وأن الدعوة السلفية تختلف عن غيرها، ليست دعوة إنشاء ولا دعوة مواعظ، وإنما هي دعوة علم، فإذا اتجهنا إلى التعلم ننجح.

الأمر الثالث: ألّا نتحزب على أهل التوحيد، بل أن يتحزب أهل التوحيد على أهل البدع، هذا من الدين وهذه الفرقة الناجية والمنصورة، ولكن أن يتحزب أهل التوحيد على أهل التوحيد فهذا لا يجوز، لا شك أن التوحيد له حرمته وأن من كان معنا في العقيدة والمنهج وجب له الولاء ووجبت له المحبة.

(٢-٢)

بعد أن استعرضنا رأي الشيخ/ عبد الله السبت في الحلقة الماضية حول واقع الدعوة السلفية ومسيرتها وما يتعرض له دعاتهم من عقبات؛ فإننا نستأنف الحديث مرة أخرى لنعرض للقارئ بقية هذا الموضوع.

الفرقان: كان لكم دور بارز في دعم الجهاد الأفغاني، واليوم بعد وصول المجاهدين إلى دفة الحكم ما هو موقع الدعوة السلفية من الأحداث؟

السبت: من الأمور التي يجب أن نعرفها أن السلفيين في الكويت من أوائل الناس الذين قاموا بدعم الإخوة في أفغانستان، وأول الجماعات التي بدأت تشتغل بقوة هناك هي الجماعة السلفية الكويتية، وكان هناك في الثمانينيات لنا زيارة أنا والأخ/ طارق العيسى والأخ/ جاسم العون، وبعد رجوعي من هناك ألقيت درسًا في مسجد الجامعة «الخالدية»، وقلت فيه بأني لا أظن أن هؤلاء الناس سيقيمون دولة الإسلام، ثم قام المتاجرون بالقضية وتكلموا علينا بهذا بما الله كفيلهم به ودارت الأيام، ثم بعد ذلك جرى هذا الذي نراه ونسمعه في أفغانستان.

القضية أن التجربة الأفغانية تجربة يجب أن يستفاد منها، ومُفادها أنه على غير طريقة السلف لا يمكن أن تقام دولة الإسلام، وذلك أنه لا بد أن يتربى الناس أولًا على الإسلام، ثم بعد ذلك يجب أن يسعوا إلى أن يقيموا شريعة الله -عز وجل- في الأرض.

أما الشعب الأفغاني فما تربى على الإسلام التربية الكافية، فهو شعب قد غزي في داره، فخرج الناس برهم وفاجرهم لصد العدوان، فما تربوا على الإسلام ولا تربوا على الدين، وإنما كان فيهم الطيب وكان فيهم الرديء، وجمعتهم الأحداث، والمصائب -كما يقولون- تجمع، ثم اختلفوا.

وليس بينهم خلاف يُذكر في أمور العقيدة أو الدين ما عدا السلفيين؛ لأن بقية الأحزاب مذهبها حنفي وعقيدتها ماتريدية وهدفها تحرير بلاد الأفغان، إذًا: هي متفقة في العقيدة والفقه والهدف، ولكنها مختلفة في المصالح والانتماءات والولاءات، فالتجربة الأفغانية دَرْسٌ نستفيد منه بألّا نخدع الناس؛ لأن كثيرين من الناس صوّروا الشعب الأفغاني بأنه شعب مقدس، وأنه شعب قد تجري به الكرامات، وأنه كذا وكذا، إلى غير ذلك مما سمعنا من قصص ما حصلت حتى للصحابة رضوان الله عليهم، وهذه الآن يقولها بعض الدعاة ممن يهوّلون الأمر في شعب البوسنة والهرسك.

فأقول: يجب أن نكون واقعيين، ولا يكون هدفنا فقط جمع التبرعات وأن يضاف إلى هذا غش وخداع وكذب على الناس؛ فإن التجربة الأفغانية قد جعلت عند الناس ردة فعل مما يسمى بالجهاد، والسبب أنهم انكشف لهم الأمر السيئ الذي ما كانوا يودون رؤيته.

لذلك أقول بأن الفائدة الأولى التي يستفاد منها في التجربة الأفغانية أن نكون صريحين مع الناس.

والأمر الثاني: أن هذا دليل على أنه إذا لم يكن الناس على عقيدة صحيحة وتربية صحيحة؛ فإن مطامعهم الشخصية وأمور الدنيا تجرفهم لغير الحق.

والأمر الثالث: أنهم ما أعدوا أنفسهم على قيادة حكيمة في أول الأمر، بل اختلفوا في أول الأمر فاختلفوا في آخره. 

وأما ما هو سبب خلاف المجاهدين؛ فأنا أقول: إن سببه دنيوي وولاءات وحزبيات، وليس له سبب ديني، وهذا هو الذي قلناه في دروس كثيرة. وأما السلفيون وموقعهم من الأحداث؛ فلا شك أن الدعوة السلفية قوية حتى تكالبت عليها الأحزاب بزعامة «حكمتيار» وما حوله من بقية الأحزاب، وقتلوا من قتلوا من أهلها، وآذوا من آذوا من أفرادها، فكان هذا الذي جرى، وأهملت وسائل الإعلام الإسلامية وتناست هذه القضية وما ذكرتها، ولكن الآن -الحمد لله رب العالمين- الدعوة إلى التعليم وإلى التدريس وإلى التثقيف قائمة هناك، والإخوة هناك بحاجة إلى دعم وتأييد من إخوانهم حتى يقوموا بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.

ومن عجائب الأمور أن كل المنظمات التي قامت هناك وجعجعت، فإنها قد تركت الساحة إلا السلفيون فإنهم إلى اليوم يساندون إخوانهم هناك ويسعون للتعليم، فالناس قد تركوها إلا جمعية السلفيين الكويتية، فإنها لا تزال قائمة نشيطة هناك بفضل الله -عز وجل- وحده.

الفرقان: قمتم بعدة زيارات لدول اّسيا الوسطى، فما هو تقييمكم للأوضاع هناك؟ وما هو دور المسلمين تجاه إخوانهم في تلك الدول؟ وما هو الدور التركي والإيراني هناك؟

السبت: دول آسيا الوسطى حكمت شعوبها بالكفر سبعين عامًا، وكثير منهم مسلمون ويشهدون أن لا إله إلا الله، ولكنهم لا يعرفون غيرها كما جاء في حديث حذيفة: «هم لا يعلمون من الإسلام إلا الشهادة»، كما أن الأوضاع هناك الآن مضطربة، ولا يزال الشيوعيون أو العلمانيون -سمّهم ما شئت- هم الحاكمون هناك، ولذلك يحتاج الأمر إلى سعة أفق بالتعامل مع تلك البلدان، ولا نظن أنها أصبحت دول خلافة إسلامية يستطيع الإنسان أن يفعل فيها ما يشاء، يجب أن نستفيد من تجارب أخرى بأن نتجه إلى التعليم هناك، فأهله ليسوا فقراء بحاجة إلى إغاثة أو طعام أو شراب، وإنما الحاجة الماسة هناك إلى مدارس وتعليم وإلى كتب، فإذا ما قام الموحدون بالدخول إلى تلك البلاد بالعلم والتعليم؛ وإلا فإنها ستُغزى من مذاهب أخرى، وعند ذلك سنبكي عليهم عندما لا ينفع البكاء.

فالدور التركي يسعى لنشر التصوف وإعادة المذهب الحنفي ودعوة الناس لهذا، ولهم دروس ولهم دعاة وهم نشيطون بذلك. وأما الرافضة فهم أيضًا نشيطون في نشر مذهبهم، ولهم جولات وصَوْلات في تلك البلاد، ولكن من فضل الله -عز وجل- أن عامة الناس هناك يكرهون الرافضة.

الفرقان: هل ما تبثه وسائل الإعلام من سقوط الشيوعية كذب؟

السبت: الشيوعية سقطت كنظام وبقيت كأفراد علمانيين متحكمين مسيطرين، أما كدين وفكرة فقد سقطت رسميًّا، ولكنها بقيت كأفراد لا دين لهم ولا يحبون الدين. 

الفرقان: هل لديكم مؤلفات حديثة؟ وما هي؟

السبت: أنا في التأليف ضعيف، وأسأل الله -عز وجل- أن يوفقني إلى الخير، ولكن لي رسالة صغيرة الآن في المطبعة «المرأة المسلمة بين الأصالة والتقليد»، ورسالة أخرى أسميتها «العمل الجماعي بين الإفراط والتفريط»، وهي رد على رسالة الأخ الشيخ/ عبد الرحمن عبد الخالق «أصول العمل الجماعي»، وأيضا رسالة نشتغل بها هذه الأيام وهي «الأمة المسلمة بين الأمل والواقع».

الفرقان: ما هي نصيحتكم لمجلة الفرقان والقائمين عليها؟

السبت: أنا أقول: إن مجلة «الفرقان» يجب أن تكون مجلة سلفية كاملة، أما الآن فنرى فيها قصورًا من وجهين:

الوجه الأول: أنها لا تعالج قضايا العقيدة الصحيحة، وحتى إن الذين يكتبون في السلفية ناشئون وليسوا من أربابها، فيجب أن يسند أمر العقائد وقضايا الشرك وقضايا الإصلاح وقضايا التوعية وقضايا الدين إلى أهل العلم لينوِّروا الناس، فمجلة «الفرقان» في هذا الجانب مقصرة.

أما الجانب الثاني: أنها لا تزال تُكثِر من الصور، ونحن نرى أن التوسع في الصور لغير مصلحة راجحة لا ينبغي، فلعل الله يشرح صدور الإخوة إلى أن يتبنوا قضية العلم السلفي والدعوة السلفية، وأن تكون المجلة مميزة بهذا، وأن يتجنبوا الشُّبُهات في ترك الصور لغير منفعة وغير ضرورة أو مصلحة راجحة، وجزاكم الله خيرًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *