يلاحظ الإنسان أن هناك اتجاهًا في الفترة الأخيرة ظهر في الساحة وفي أماكن مختلفة من العالم الإسلامي، يريد جرَّ العمل الإسلامي إلى متاهات غامضة، ويريد لهذه الصحوة الإسلامية التدمير قبل أن تأتي أُكلها، وقد ينساق الكثير خلف هذه الدعوة وينفس فيها بحسن نية، ويكون هناك من قصد حشره فيها.
ونحن من واقع الحرص على العمل الإسلامي حتى لا يدمر -سواء بحسن نية أو سوئها- نقول للعاملين: إن هناك شرًّا يراد لهذه الأمة، وإن هذا الشرَّ يراد له الوقيعة بين الأمة لتتطاحن وتتناحر، ويظن أن البعض قد وقع في هذه اللعبة، ومن مظاهر ذلك:
١- أن البعض يقف في المساجد وفي أماكن أخرى مكفرًا وسابًّا وناقمًا على كل شيء؛ داعيًا الناس للخروج إلى الصحراء وهجر كل شيء، فهل يخدم هذا الإنسان؟!
أليس الأجدى به أن يقف معلمًا الناس دالّهم على الخير ناصحًا لهم مرشدًا، أيهما أنفع للمسلمين: التكفير والسب أم النصح والإرشاد؟ من الذي أوغل قلب هذا على أمته وقومه؟ أليس هذا الذي يريده أعداء الإسلام من أن يكره الرجل أخاه وأمه وأباه؟ إني لا أنكر البغض في الله والحب في الله، ولكن ما هذه الطريقة هي المثلى في الحب والبغض؛ إن الحب في الله والبغض في الله له أصوله الشرعية التي لا بد من مراعاتها.
ولذلك فنحن نقول إلى الذين يمارسون عملية السب والتكفير: ما بعثكم الله مكفرين للناس! بل بعثكم دعاة هادين، وإنما يكفر المرء بعد تطبيق القواعد الشرعية في الأمر، فالمهم أن هذا النوع من العمل والسير فيه وبهذه العقلية لا شك أنه يخدم أعداء هذه الأمة ولا يخدم المسلمين.
٢- والنوع الثاني من الانحراف الذي يجر إليه الحماس هو هذا الذي نشاهده لدى الشباب من الاندفاع والحماس لقضايا تشكل جزءًا من الإسلام، وأنه لا بد لها من ظروف وملابسات، فنجدهم يتحمسون دون تعقل ويظنون أن هذا هو الطريق.
٣- أن الطريق لعودة الحياة الإسلامية في مجتمعات المسلمين لا يكون بوصف هذه المجتمعات بالجاهلية وإخراجها من الإسلام، وإنما يتم ذلك عن طريق الحجة والإقناع في إطار الإسلام، إذ كيف نستطيع أن نصف رُوّاد المساجد بأنهم من المجتمع الجاهلي؛ لأنه إذا كان هذا الذي يرتاد المساجد هذا وضعه، فماذا بقي إذًا؟!
فهذا الاتجاه الذي يمارس الآن لحشو الشباب بالحماس والانفعال لا شك أنه لا يخدم القضية الإسلامية؛ لأننا في هذه المرحلة نحتاج إلى التعقل، فالشباب مطالبون الآن بأخذ الحذر ومعرفة حقيقة الأمور؛ لأن حسن النية وحده لا يكفي، بل لا بد من أن نزن الأمور بميزان الشرع، والعَجَلة ليست من صفات المسلم؛ لأن المسلم الحق هو الذي ينقاد لشرع الله ولا تأخذه العاطفة ليدمر نفسه وإخوانه.