رد على إسماعيل الشطي

اطلعت على مقال للأخ/ إسماعيل الشطي في مجلة «المجتمع» عدد (٤٠٥) حول الخلاف والفرقة، وبعد قراءة مقاله رأيت أنه ركز البحث حول خطورة الفرقة وشر الاختلاف، وأسوق له في هذه العجالة بعض الأمور، أرى ضرورة التنبيه عليها:

١. لا يختلف أحد من أهل السنة بأن الخلاف شر، وأن الوحدة خير، وأن من أصولنا الوحدة والجماعة، بخلاف أهل البدع والزَّيْغ.

ولكن الذي أرجو ألّا يغيب عن بالنا أن الوحدة الفكرية لا بد وأن تكون وحدة عقائدية ووحدة تشريعية؛ بمعنى: أنه قد تكون وحدة اجتماع، ولا بد وأن تكون أحوالنا العقائدية واحدة.

وعلى هذا يحمل قول أهل السنة، فاختلاف العقائد بين أهل السنة ومخالفيهم من المعتزلة والخوارج هو الذي سوّغ لأهل السنة هجرهم ونبذهم، فالخلاف المنهي عنه أن يختلف أرباب العقيدة الواحدة والشريعة الواحدة، فهؤلاء لا بد وأن تكون كلمتهم واحدة ويسوغ لهم الخلاف في الفروع.

أما الجماعات الموجودة الآن فهي مختلفة في العقيدة والشريعة، وخلافها ليس في الفروع، وليس الخلاف في الأصول أن يكفر البعض الآخر، بل يعني ألّا تجتمع تحت سقف واحد كما حصل بين أهل السنة والخوارج والمعتزلة، فلم يكفرهم أهل السنة ولكن حاربوهم.

٢. وحتى نتخلص من الفرقة لا بد وأن تتحد الأسس التي نتفق عليها، إذ إن الموجود الآن كله يدعي أنه على الحق وإن تباينت الأفكار، بل إن بعض الجماعات تختلف أفكار أفرادها اختلافًا يجر إلى أن يكفر البعض الآخر، ولكنها ظاهرًا تعمل تحت سقف واحد! فهل هذا هو الاثنان الذي يعنيه الأخ/ إسماعيل؛ أن يختلف الفكر والتصور ويضمنا إطار حركي واحد؟! إن كان يقصد ذلك فإنه يكون خالف النصوص التي نقلها واحتج بها.

٣. أرجو أن أنبه الأخ إلى أن الأقوال التي نقلها عن الصحابة في ترك آرائهم والتزامهم بالجماعة أن هذه الآراء في الفروع، وأن هناك جماعة حق لها عقيدة واحدة وفقه واحد وخليفة، أما الدعوات القائمة -سوى الدعوة السلفية- فلا تملك المنهاج الواحد ولا التصور العقائدي الواحد ولا التشريع الفقهي، بل إنها مختلفة في هذا لدرجة أنها جماعات ضمن جماعة.

٤. أن الجماعات الموجودة الآن مختلفة في التصور والمنهاج، ومن الخطأ أن نتصور أن الجماعات الموجودة اختلافاتها في الوسائل، ولو كانت كذلك لهان، ولكنها مختلفة في التصور والمنهاج، والبصير بها يعرف ذلك، والذي يسعى لجمعها تحت سقف واحد دون وحدة تصور إنما هو مضيع وقت ومخالف لهدي السلف في المفاصلة.

ولم يذكر الأخ أي الجماعات الموجودة الآن يجب أن نتبع؟ وكيف الطريق إلى الوحدة؟ لأن الجميع يدعون إلى الوحدة والاتفاق، ولكن كيف؟ ما الطريق لأن يتفق الدعاة؟ الاتحاد خير -كلنا يعلم ذلك- ولكن الطريق إليه يحتاج لبيان.

هذه العجالة أرجو أن أكون وضحت فيها بعض الأمور، وأكرر القول: إن الوحدة خير، ولكن الوحدة لا تعني السكوت على أخطاء المجتمعات والأفراد، بل الوحدة لا بد أن تكون على نور من الله، وهناك تعليق خفيف حول:

أ. حذر الأخ من النقاش والجدال، وليته بين أن النقاش المزعوم ما كان للهُرَاء والجدل، أما النقاش للوصول إلى الحق فهو محمود مرغوب، والجماعات التي يتقدم فيها النقاش وتقاد دون هدى ودليل؛ لا تستطيع أن تقود الأمة على نور وبصيرة.

ب. والأمر الآخر الذي حزَّ في نفسي صدوره منه هو وصفه معاوية -رضي الله عنه- بأنه كان طالب رئاسة في حربه مع علي، ومعاوية أكبر من ذلك وأجلّ.

وفي هذا بيان، وأرجو أن يتسع صدر الأخ لهذا، والله الموفق ولا رب سواه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *