رد على الدكتور/ نجم عبد الكريم

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه الأطهار الأكرمين، أما بعد:

كان بودي أن أعلق على رد الدكتور/ نجم في حينه، إلا أن بعض مشاغلي عاقت دون ذلك، وإني يسعدني الحوار طالما أن الجميع يريد الوصول للحقيقة.

أولًا: يقول السيد: «وإن الممارسات الخاطئة من قِبَلِ كَهَنة الدين، ولا تمثل الدين في شيء على الإطلاق.. فهذه الفئة من الكهان والوعاظ لهي أضيق تفكيرًا لأن تستوعب دينًا عظيمًا كالدين الإسلامي».

وأقول: لا يوجد عندنا في الإسلام كهنة دين، بل عندنا علماء دين ورجال أمة ورجال دولة، إن هؤلاء الوعاظ الذين يطعن فيهم الدكتور ويشبههم بدجالين من الكهان لا ينبغي؛ لأن الأمة إذا لم تقدر علماءها لا تقدر نفسها، لا لست أعني أن ليس هناك مرتزقة، ولكن أعني أن أي حرفة لا تخلو من مرتزقة، فلماذا الهجوم العام والإجمالي على علماء الأمة وهم أخيارها وأهل الفضل فيها؟!

ثانيًا: وحول موضوع يناقض الدكتور نفسه، إذ إنه يقرر التخصص فقط بالأمور التي فوق قدرات الإنسان العادية، والمعلوم أن جميع العلوم يستطيع تعلمها الإنسان العادي إذا بذل السبب والجهد، فالأطباء والمهندسون ليسوا بأشخاص ممتازين.

ثم يقول: «ولكن عندما تكون أمام كتاب يروي حديثًا، وقد لقي هذا الحديث صدى في نفسك فتعقله مستهدفًا من وراء هذا النقل أن تطلع قرّاءك على عظمة الإسلام في نظرته للعلم والعلماء!! فأين التخصص في هذا؟».

وهنا يقع التناقض، حيث إن السيد يقرر في أول الحديث أن انتشار الكتب والأقلام التي تسهل العلوم ثم يمنع الإنسان العادي من الخوض فيها، يرجع ذلك للتخصص، ويأتي لأمور الدين ويجيز لأي إنسان مهما كان جاهلًا أن يفتي وينقل من الكتب ويعزوه للإسلام، فهل الإسلام مهدور القيمة بهذه الدرجة؟!

وهنا لا بد من تذكير الدكتور أنه ليس كل كتاب جمع صاحبه فيه أحاديث نسبها للنبي ﷺ يكون شبه صحيح، فهناك العشرات من الكتب التي حوت الأحاديث الضعيفة والموضوعة، لذلك لا بد من التمييز بين الصحيح والسقيم، وهذا يحتاج لعلم وفقه.

ثالثًا: القواعد التي تعاون عليها علماء الشريعة والحديث والأصول من أهل السنة قواعد ثابتة وضعها أهل الاختصاص، وهذا مقرر عند جميع العلماء، فكل علماء لهم قواعد يسيرون عليها، ولو جاء جاهل وألّف قواعد النحو والصرف وقعَّد لنفسه لفسد الأدب.

فهم -صحيح- بشرٌ إلا أن لكل علم أهله، ولا يجوز للجاهل أن يتصدى لأي علم دون معرفة قواعده.

رابعًا: وحول المصدر الذي أخذ عنه السيد/ نجم حديثه، فهو كقول العرب: فسَّر الماء بعد الجهد بالماء! ويظن الدكتور ألّا يعرف الفرق بين المصدر والمرجع؛ لأن الكتاب الذي أحالني عليه ناقل مثل الدكتور، حيث إنه توفي سنة (١٢١١هـ) الموافق (١٧٩٦م)، وهذا لا يعني أنه لم يدرك الصحابة ولا التابعين، ونحن نريد السند، وهنا لا بد من توضيح بعض الأمور:

١. أن أحاديث الرسول ﷺ التي رواها عنه الصحابة مدونة في كتب علماء الأمة المرضي عنهم -وهم أئمة الدين والعلم- البخاري ومسلم وأحمد ومالك والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبي داود وغيرهم من العلماء.

وقد أجمعتِ الأمة على أن أحاديث صحيح البخاري ومسلم صحيحة، وأما السنن ففيها الصحيح وبعض الضعيف، ومنه قام علماء الحديث بكشف الصحيح من غيره، وهذا كله مدون في الكتب.

٢. أن المؤلف الذي ذكره السيد متأخر جدًّا، فلا بد وأن نقل حديثه من مكان آخر؛ لأنه يستحيل أن نقول: إنه سمعه عمن سمع من النبي ﷺ لبعد المسافة، ثم إن السيد/ النراقي لم يعده أحد من العلماء على أنه محدث أو عالم، فهو نكرة غير معروف بين أهل الحديث والفقه، ولذلك نبقي السؤال قائمًا: مَنْ روى هذا الحديث من أهل السنة الذين رووا أحاديث النبي ﷺ؟

خامسًا: ذكر السيد حديثًا في فضل أبي ذر رضي الله عنه، وقال عقبه: «رواه صاحب الاستيعاب والإصابة»، وهذا الخطأ الذي وقع فيه الدكتور أيضًا راجعٌ لعدم التخصص، فلو كان الدكتور سأل حيث لا يعلم؛ لعَلِمَ أن صاحب «الاستيعاب» هو ابن عبد البر وصاحب «الإصابة» هو ابن حجر، ولكن يظهر أن الدكتور قد اطلع على النسخة المطبوعة القديمة، والتي طبع فيها «الاستيعاب» على هامش «الإصابة»، وهذا من عدم التخصص يا دكتور.

سادسًا: تساءل الدكتور!! ولست أدري لماذا لم يجب بصراحة؛ لأنني شعرت من التساؤل أنه لا يتصور أن يعذب هؤلاء، ولست أدري عدم الجواب ناتج من ماذا؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *