﴿رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا﴾ [آل عمران: ١٤٧]، وبعد:
فهذه ذكرى لك مهداةٌ تنيرُ لك الطريق وتدلك على الخير؛ إذ قلَّ مَنْ يقبل الخير أو يبذله، فالناس في إقبال على الدنيا وإدبار عن الآخرة، غرَّهم الشباب وطول الأمل فأنساهم ذكر الله، وقلَّ الناصحون فَرَانَ على القلوب وطمع فيها الشيطان.
فاعلم -أيدك الله بروح منه- أنك في الدنيا كعابر سبيل استظل تحت شجرة، وتيقن -يا عبد الله- أنك راجع إلى مولاك، فإما إلى جنة تصير أو إلى نار، فاختر لنفسك أحد السبيلين.
واحذر أن يغرَّك الشباب والقوة؛ فإن الموت قادم، وأنت إليه مسافر، ولكلِّ سفرٍ زادٌ لا بد منه، فليكن زادك التقوى، ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَى﴾ [البقرة: ١٩٧]، وصدق من قال:
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى
ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على أن تكون كمثله
وأنك لم ترصد لما هو أرصدا
ولا يتم السفر إلا بصُحْبة ورِفاق، فليكن رفاقك مَنْ ترضى دينه وخلقه، فالمرء على دين خليله والمرء مع من أحب.
وفوق هذا كله وجِماعُه: توفيق الله لك، فمن وفقه الله للتقوى والرفقة الصالحة أُعْطي خيرَ الدنيا والآخرة، فلازم باب ربك داعيًا مستجيرًا، واسأله الثبات والفوز، واعلم أن الدعاء سلاح المؤمن، فالزمه تَفُزْ ورب الكعبة، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: ١٨٦].
وإلى لقاء نكمل فيه عُدّة الطريق لعابر السبيل.