لأفراد الصحابة مناقب قلَّ مَنْ يعرفها من المسلمين، وكان يجب ألّا يجهلها أطفالهم فضلًا عن علمائهم، من ذلك: بطولة عبد الله بن الزبير يوم كان هو وعبد الله بن عمر بن الخطاب في جيش عبد الله بن سعد بن أبي سرح ببلد يقال له: «سبيطلة» على يومين من القيروان من البلاد التونسية، وكان جيش ابن أبي سرح عشرين ألفًا، وجيش جرجير -ملك البربر- قريبًا من مائتي ألف، وقد أمر جرجير جيشه فأحاطوا بالمسلمين هالة، ووقف المسلمون في موقف لم يُرَ أشنع ولا أخوف عليهم منه.
قال عبد الله بن الزبير: فنظرتُ إلى الملك جرجير من وراء الصفوف وهو راكب على بِرْذَوْن، وجاريتان تظلانه بريش الطواويس، فذهبت إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فسألته أن يبعث معي من يحمي ظهري وأقصد الملك، فجهز معي جماعة من الشجعان وأمرهم فحموا ظهري، وذهبت حتى خرقت الصفوف إليه وهم يظنون أني في رسالة إلى الملك، فلما اقتربت منه أحس مني الشر على برذونه، فلحقته فطعنته برمحي، وذفّفتُ عليه بسيفي، وأخذت رأسه فنصبته على رأس الرمح وكبّرت، فلما رأى ذلك البربر فَرِقوا وفروا كفرار القَطا، واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون ويغنمون.
قال ابن كثير في «تاريخه» (٧/ ١٥٢): «وكان ذلك أول موقف اشتهر فيه أمر عبد الله بن الزبير، وكان ذلك سنة ١٧ للهجرة».