عمرو بن العاص.. صحابي وقائد فذ

لمصلحة من شوَّه المغرضون سيرته؟!

نقلتْ إلينا كتب السلف الصالح مقالةَ الصحابي الجليل جابر بن عبد الله: «إذا لعن آخر هذه الأمة أولها؛ فمن كان عنده علم فليظهره؛ فإن كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل الله على محمد».

ولعَمْرُ الحقِّ كأنه نظر إلى المستقبل بعين الغيب، فما هي إلا سنوات، وبعد أن وطئت أقدام أولئك المغاوير أرضَ فارس والروم، وحطموا الأصنام، فلم يجد أرباب تلك الملل الباطلة بُدًّا مِن الدخول في الإسلام نفاقًا وكيدًا لأهله، وحاولوا جاهدين النَّيْل من أولئك الرجال، فقام المجوس المنتسبون لهذه الأمة بالنَّيْل من الصحابة وذمهم، ولذلك إذا أردتَ أن تعرف المنحرف عن الإسلام فاسأله عن الصحابة؛ فمن طعن فيهم فهو من سلالة اليهود، ومن ترضّى عنهم فهو من المسلمين.

ومن أول من شوَّه المغرضون سيرته بطل الشام وفاتح مصر: عمرو بن العاص، الذي قال فيه الرسول ﷺ: «أسلم الناس، وآمن عمرو بن العاص».

ويحدثنا مهاجر مصر وابن الشام العلامة محب الدين الخطيب -رحمه الله- فيقول: «عاش عمرو تسعين سنة، صرف الشطر الناضج المبارك منها تحت رايات الإسلام. وقد نقل الحافظ ابن حجر في «الإصابة» عن الزبير بن بكار أن رجلًا قال لعمرو: ما أبطأ بك عن الإسلام، وأنت أنت في عقلك؟ فأجابه: إنا كنا مع قوم لهم علينا تقدم، وكانوا ممن توازن حلومهم الجبال، فلما بُعث النبي ﷺ فأنكروا عليه قلّدناهم، فلما ذهبوا وصار الأمر إلينا نظرنا وتدبرنا، فإذا حقٌّ بيِّن، فوقع في قلبي الإسلام، فعرفت قريش ذلك مني من إبطائي عما كنت أسرع فيه من عونهم عليه، فبعثوا إليَّ فتى منهم فناظرني في ذلك، فقلت: أنشدك الله ربك ورب من قبلك ومن بعدك، أنحن أهدى أم فارس والروم؟ قال: بل نحن أهدى. قلت: فنحن أوسع عيشًا أم هم؟ قال: هم. قلت: فما ينفع فضلنا عليهم إن لم يكن لنا فضل إلا في الدنيا، وهم أعظم منا فيها أمرًا في كل شيء! وقد وقع في نفسي أن الذي يقوله محمد -من أن البعث بعد الموت ليجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته- حقٌّ، ولا خير في التمادي في الباطل.

كان هذا الحديث في أوائل السنة الثامنة للهجرة، وخرج عمرو بعد ذلك إلى النبي ﷺ ليُسْلِم، فلقي في طريقه خالد بن الوليد من بني مخزوم، وعثمان بن طلحة من بني عبد الله سدنة الكعبة. قال عمرو: فقلت لخالد: إلى أين يا أبا سليمان؟ قال: والله لقد استقام المَنْسِم، وإن الرجل لنبي، أذهب والله لأسلم، فحتى متى؟ قال عمرو: وأنا والله ما جئت إلا لأسلم.

فلما دخلوا على رسول الله ﷺ ونظر إليهم؛ قال لأصحابه: «لقد رمتكم مكة بأفلاذ كبدها». قال عمرو: فتقدم خالد فأسلم وبايع، ثم دنوت فقلت: يا رسول الله، إني أبايعك على أن تغفر لي ما تقدم من ذنبي. فقال ﷺ: «يا عمرو بايع؛ فإن الإسلام يَجُبُّ ما قبله، وإن الهجرة تَجُبُّ ما قبلها».

قال الحافظ ابن حجر: ولما أسلم عمرو؛ كان النبي ﷺ يقربه ويدنيه لمعرفته وشجاعته.

وأخرج الإمام أحمد -بسند حسن- عن عمرو بن العاص قال: بعث إليّ النبي ﷺ فقال: «خذ عليك ثيابك وسلاحك ثم ائتني»، فأتيته فقال: «وأرغب إليك من المال رغبة صالحة»، فقلت: يا رسول الله، ما أسلمت من أجل المال، بل أسلمت رغبةً في الإسلام. فقال ﷺ: «يا عمرو، نِعْمَ المال الصالح للرجل الصالح».

وكان هذا أول عمل تولاه عمرو في الإسلام، وهو قيادة جيش المسلمين في غزوة ذات السلاسل، وكان ذلك بعد إسلامه بأربعة أشهر، وجعل النبي ﷺ في قيادته أهل الشرف من المهاجرين والأنصار.. ثم أمده ﷺ بمددٍ على رأسه أبو عبيدة وأبو بكر وعمر والمهاجرون الأولون، فكان عمرو بن العاص يرأسهم جميعًا ويصلي بهم، وكان منه في هذه الغزوة من حسن التدبير وسديد القيادة ما أدى إلى النصر وجميل الظَّفَر.

وفي السنة نفسها -أي: الثامنة- قام عمرو بهدم «سواع»، وهو وَثَن كان لهذيل، وأراد سادن «سواع» أن يثني من عزم عمرو وخوّفه عاقبة عمله، فقال له عمر: أنت في الباطل بعد! وهدمه، ثم قال للسادن: كيف رأيت؟ فأجابه السادن: أسلمت لله رب العالمين».

ذلكم هو عمرو بن العاص، واللهَ أرجو أن ييسر لأن أجمع مآثره، ومع صاحبه معاوية بن أبي سفيان الصحابي الجليل وكاتب الوحي، رحمهما الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *