لقد سعدت بقراءتي لهذه المقابلة، والتي أَلْقتِ الضوء على الكثير مما ينبغي للمسلم معرفته عن جماعة تشغل حيزًا كبيرًا من العالم الإسلامي. ونظرًا لضخامة القضايا التي تم طرحها وأهميتها؛ رأيت أن أبدي ما أراه يحتاج لبيان، أو أن المرشد العام -وفقه الله- جنح عن الصواب فيه.
أولًا: الاهتمام بالعقيدة:
لم يجب الأستاذ عن هذا الموضوع بما يناسبه، وهذه هي مشكلة الإخوان؛ أن موضوع العقيدة مُهَمَّش عندهم، وإذا طرقوه فتُطرَق القضايا العامة التي لا تمس الكثير من مشاكل الانحراف العقائدي، وهذا الذي تؤاخذ به جماعة الإخوان المسلمين أنهم:
١. قضايا الأسماء والصفات.
٢. قضايا الشرك والقبور والأولياء.
٣. قضايا الموقف من الفِرَق الضالة كالرافضة.
هذه قضايا إلى غيرها لم يعطها الإخوان المسلمون حقها، بل ميّعوا الموقف منها.
ثانيًا: أن ما تفضل بالإشارة إليه في قضية «الفهم» ثم ما تلاه من قولٍ للبنا -رحمه الله- حول ركن البيعة، وما قرره حول أن ذلك عَصَم الإخوان من التفرق، إلى أن قال: «ولو لم يكن الفهم ركنًا من أركان البيعة؛ لظهرت مدارس فكرية للإخوان في الأقطار المختلفة، في كل قطر مدرسة خاصة، لكن كون الإخوان جميعًا في أنحاء العالم على فهم واحد»!
أقول: استوقفني هذا القول كثيرًا، فهل يُعقل أن المرشد العام لا يعلم أن الإخوان في كل قطرٍ لهم فهمٌ غير القطر الآخر؟!
أم أنها الأجوبة السياسية؟! إذِ المعلوم أن إخوان مصر يختلفون عن إخوان سوريا، بل إخوان حلب غير إخوان دمشق، وإخوان السودان غير إخوان العراق، وكذلك الإخوان في السعودية يختلفون عن الإخوان في مصر وهكذا.
والاختلاف يتمثل في الموقف من القبور والأسماء والصفات، في الموقف السياسي، بل إن السِّمة المميزة للإخوان أنهم لا يُلزمون الأتباع بأي منهج، ولذلك ترى في صفوفهم الرافضة والزيدية في اليمن والإباضية في عمان.
فمقولة فضيلة المرشد العام تحتاج لتأمل!!
بل إن أفكار سيد قطب -رحمه الله- تختلف عن أفكار حسن البنا رحمه الله، فالإخوان لم تعصمهم البيعة ولا رسائل حسن البنا من التمزق!!
ثالثًا: الصراع مع الصوفية والأنظمة:
أشار المرشد العام -وفقه الله- إلى أنهم لم يدخلوا في صراع مع الصوفية، وأنهم أُدخلوا مع الصوفية، وأنهم أُدخلوا في صراع مع الأنظمة!!
والذي يُظَنُّ بالتّتبع التاريخي أن حركة الإخوان لم تشأ أن تهاجم القبور والأضرحة، [..]()، بل لم تكتب فيها محذرةً سوى النص العام للبنا رحمه الله.
لكن الواقع العملي أن هناك تعايشًا بين القبوريين والإخوان، في حين أن هناك صراعًا مع الأنظمة، وأحيانًا الصراع ليس حول الكفر والإيمان وإنما أقل منه بكثير.
وبالتالي فإن سكوت الصوفية ليس لأنهم مسالمون، بل لأن الإخوان سالموهم.
ولذلك ترى أن الصراع بين السلفيين -في مصر وغيرها- والصوفية مُشْتَدٌّ، والحربَ قائمة، وهذا هو المراد؛ حيث لا هدنة بين الشرك والإيمان.
إذًا: الإخوان اختاروا الصراع مع النظام وأعدوا له عُدّته -ولست في موضع الصواب والخطأ- وتركوا الصراع مع الشرك، علمًا بأن حرب الشرك مقدمة وقد تكون أولى من حرب الأنظمة.
وهذا هو مأخذنا على الحركة الإخوانية في العالم؛ أنها دخلت في صراع سياسي وهمَّشت الصراع العقائدي!!
رابعًا: العلماء:
هل حركة الإخوان المسلمين تعطي العلمَ الشرعي مكانته والعلماء حقهم؟!
كعادته -وهو السياسي المحترف- صرف الموضوع إلى التربية، وكنت أودّ لو أن السؤال أُعيدَ له مرةً أخرى لأهمية الموضوع!!
إذ يظهر أن هناك تنافرًا بين العلماء والزعماء والساسة، وهذا مذهب قديم، ولذلك الذي يلاحظ أن كل شخص وصل إلى مرتبة علمية متقدمة تراه يترك الجماعة، وقد لا يهاجمها، لكن يترك أو تضطره هي للترك!
وإنا لنرجو الإجابة من فضيلة الشيخ/ مشهور: كم كتابًا أصدرت الحركة حول الشرك وآثاره، وهي تعيش في بلاد أحد معالمها القبور؟
خامسًا: حرب الكويت:
يظهر أن فضيلة الشيخ نسي ما كتبه كتّاب الإخوان أنفسهم خاصة الدكتور/ إسماعيل الشطي حول تورط الحركة مع صدام، وهذا ظاهر ومسجل في وسائل الإعلام في ذلك الوقت.
والأمر ليس بحثًا فقهيًّا حول جواز الاستعانة، بل تعداه إلى وقوف مع صدام وتأييد له، ولذلك ما قلتموه في الحقيقة يخالف التاريخ، ولستم أنتم فقط، بل الحزب التركي بقيادة أربكان، وكذلك جماعة المودودي؛ كلهم قد تجهزوا للجهاد مع صدام.
سادسًا: لا لستم سلفيين:
الصراع بين الإخوان والسلفيين مستمر عبر السنين والأقطار، وهو منذ أسس البنا -رحمه الله- جماعته وهو على خلاف مع محب الدين الخطيب ومحمد حامد الفقي وغيرهما، وكنا نودّ لو أن المرشد العام كان صريحًا في هذه القضية.
أما الاستدلال بمقولة البنا؛ فهذه عفى عليها الزمان.
والإخوان وسعهم السكوت على الصوفية وعباد القبور، لكنهم لم يستطيعوا السكوت عن السلفيين، ومن يتابع ما يجري في الدنيا الآن يرى أن ما تفضل به المرشد العام مجانب للصواب!
سابعًا: المعونات من الحكومات:
لقد أثارني قولكم: «نحن لا نمد أيدينا لأي جهة رسمية أو للحكومة إطلاقًا، بل نعتمد على جيوب الإخوان»!!
وأقول: سبحان الله! هلا شكرتم الحكومات التي تساعدكم عبر مؤسساتها التي يسيطر عليها أتباعكم؟!
وهذا النفي القاطع من فضيلة المرشد وهو المتابع لما يجري والأموال العظيمة التي حُولتْ لأوروبا وأمريكا لاستثمارها عبر المؤسسات الحكومية والهيئات التي يسيطر عليها الإخوان، ما هو تفسيركم لها؟!
إننا لا نتهم أحدًا -حاش لله- ولكن نقول: إن الشكر لازم، ولو أن المؤسسات الحكومية -بل الحكومات- أوقفت دعمها عن الإخوان لتغير الحال، والمضحك المبكي أن الإخوان عبر مؤسساتهم يستلمون الدعم ومع ذلك ينكرونه، بل يحاربون هذه الأنظمة! فهل تدرك الحكومات ذلك؟!
إننا نطالب بالإنصاف وقول الحق ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُوا﴾ [الأنعام: ١٥٢]، وإن كنتم ترون حرمة أخذ أموال الحكومات فقولوا ذلك عمليًّا لا قوليًّا.
ثامنًا وأخيرًا: إيران والسعودية:
لم أكن أود أن يصل عدم التمييز لدى المرشد العام -وفقه الله- لدرجة الخلط بين إيران والسعودية، وعدم إدراك الفرق بين الدعوتين ليقرر أن كل ذلك إسلام!!
إيران تقوم على الشرك والفساد العقائدي وتشيعه في العالم، والسعودية تقوم على نشر التوحيد ومحاربة الشرك، فكيف يكونان سواء؟!
إن هذا الخلط أوقع الحركة الإسلامية المعاصرة في مأزق تأييد الرافضة والتعاون معهم، وإننا نناشد فضيلة الشيخ أن يُزيل هذا اللبس عن أتباعه فيما يخص الرافضة.
وبعد:
فإني مع ما أكنّه من احترام وتقدير لفضيلة الشيخ/ مصطفى مشهور، كنت أود أن يكون أكثر وضوحًا فيما يخص القضايا العقدية، ولكن أشكر فيه صراحته، ولعلي أن أقول: إن مشروع الخلافة يحتاج قبله تحقيق مقولة زعيم زعماء الإخوان: «أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم؛ تقم على أرضكم».
إن الحركة الإسلامية بحاجة لتربية وتصفية، وإن شبابنا اليوم قد تاه وهو يسير وراء سَرَاب، فلا بد من إرجاعه للعلم والتلقي عن العلماء، وهذه البداية، ومعذرة، والله يقول الحق ويهدي إليه.