نشرت إحدى الصحف المحلية في صفحة رمضان، يوم الثلاثاء ٢٢/ ٨/ ١٩٧٨م مقالًا أسمته «معجزة عظيمة للرسول ﷺ»، والحق أن هذا المقال يعتبر سخريةً واستهزاءً بالمسلمين، وإليك -أخي القارئ- ما نُشر لتكون على بيِّنة ولتعلم كم يُشوّه الإسلام!
يقول الكاتب المجهول: «لما رجع رسول الله ﷺ من غزوة «وادي الخندق» مرَّ على مدينة من بعض المدن، وكان فيها رجل يقال له: جابر، وهو رجل فقير جدًّا، ومع ذلك أراد أن يعزم النبي عليه السلام، وكان عنده كبش من الغنم وشيء قليل من الدقيق، فذبح وعجن الدقيق، وصار ينظر إلى الطعام ويقول لزوجته: إنه قليل، وجيش رسول الله كبير! فقالت له زوجته: توكل على الله يا جابر، فإن البركة تنزل بين يدي رسول الله، والقليل يصير كثيرًا ويكفيه. فذهب جابر يعزم الرسول، وترك زوجته تقرص العجين، وكان لجابر ولدان صغيران يلعبان بالدار، فقال الكبير إلى أخيه الصغير: لقد ذهب (أبانا) يعزم الرسول، فماذا نقدم أنا وأنت إلى الرسول؟ وبماذا نضيِّفه؟ فقال: لا أدري.
فقال الكبير: قم حتى أذبحك وأقدمك طعامًا لرسول الله عليه الصلاة والسلام. قال الصغير: تعال نعمل قرعة، فمن وقعت عليه يكون قربانًا للرسول عليه السلام.
فقام الكبير وذبحه، وتركه يخور في دمائه، فطلعت أمه من الفرن والخبز على رأسها، فرأتْ ولدها مذبوحًا فلطمت على وجهها وصاحت، ففزع ابنها الكبير وانهزم خوفًا منها إلى الفرن، فرأى التَّنُّور واللهب طالع من الحجر، فقال: هذه بحجة رسول الله. ورمى نفسه في التنور وصار مثل الفحمة السوداء، فلما رأته أمه صاحت مُوَلْوِلَةً ووقعت مغشيًّا عليها، فلما عاد زوجها ورآها على تلك الحالة رشّ عليها الماء وقال لها: ما أصابك؟ فحكت له ما جرى، فنظر لولديه فرأى الصغير مذبوحًا والكبير مثل الفحمة السوداء، فبكى هو وزوجته بكاءً عظيمًا، ثم تذكر الدعوة فقال لزوجته: سألتك بالله العظيم أن تصبري الآن حتى نضيف رسول الله. ثم إنه انتظر قدوم النبي -عليه السلام- إلى أن أقبل هو والصحابة، فبدأ يرحب به، وأمر بإحضار الطعام فحضر بين يدي الرسول، فلما هَمَّ أن يمد يده إلى الطعام إذا بجبريل -عليه السلام- نزل من عند الله، وأخبر بما صار لأولاد جابر، فعند ذلك قال الرسول عليه السلام: يا جابر أحضر ولديك ليأكلا معنا. فلما سمع جابر بذكر ولديه بكى، ثم حكى له بما جرى لهما، فأمر رسول الله أن يرفعوا المائدة فرفعوها، فطلب حضور الولدين فأحضرهما، فلما رآهما على هذه الحالة بكى عليه الصلاة والسلام وبكى معه المجاهدون، ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: يا بلال أذن للصلاة، فأذن، فاجتمع الناس أفواجًا أفواجًا، فخطب عليه السلام خطبةً بكت فيها العيون ووجلت منها القلوب، فلما فرغ منها أحضر ولدي جابر ورمى عليهما بُرْدته الشريفة، ودعا الله تعالى بأن يحييهما، فاستجاب الله دعاءه وأحياهما إكرامًا له، فكشف عليه السلام بردته عنهما فإذا هما متعانقان وكأن لم يصبهما شيء، ففرح النبي وفرح الناس فرحًا عظيمًا وآمن خلق كثير، وتقدم جابر إلى ولديه وضمّهما إلى صدره، ثم أرسلهما إلى أمهما كي تقر عينها بهما ولا تحزن عليهما، ثم أمر عليه السلام بوضع المائدة، فأكلوا وحمدوا المولى تعالى على جوده وكرمه، ثم أمر النبي -عليه السلام- أن تجمع عظام الكبش وتطهر بالماء، ثم رمى بردته الشريفة عليه وطلب من المولى أن يحييه فأحيا الله تعالى تلك العظام ورجعت كبشًا كما كان، فازداد المسلمون إيمانًا بالله ونبيه -عليه الصلاة والسلام».
هذه هي المعجزة التي زعمها هذا الكاتب، وتلاحظ فيها ركاكة الأسلوب وكذب الادعاء والجهل بالتاريخ؛ إذ زعم أنه بعد رجوعه من غزوة وادي الخندق! وليس هناك غزوة، والخندق كان حول المدينة فليس ثمة سفر، فأين هذه المدينة التي بين الخندق وبين المدينة المنورة؟!
ولم نعلم أن الرسول ﷺ يحيي الموتى! فمعجزة الإحياء كانت لعيسى بإذن الله، أما الرسول ﷺ فلا نعلم عنه هذا، ولا يقدح هذا من قدره ﷺ ألّا يحيي الموتى؛ إذ لكل رسول معجزة.
وأخشى أن يدعي هذا الكاتب الملهم أن للرسول عصا كعصا موسى!
والسؤال: كيف سمحت الرقابة بهذا الهُرَاء أن يُكتَب باسم الإسلام؟
ونرجو مخلصين أن يهتم الكُتّاب بالتحقيق بما يكتبون؛ إذ إن الكذب في الدين من الكبائر، فاتقوا الله يا قوم لعلكم تفلحون.