يواجه الشباب اليوم مشكلة فهم الإسلام بعيدًا عن الإفراط والتفريط، وقبل أن نوضح الطريق الذي نعتقد أنه ييسر الأمر على الناشئة لنناقش أولًا واقع الإسلام اليوم، وأعني: هل الإسلام الآن الذي يكتب عنه وينشر هو الإسلام الذي كان؟ أم أن لحوادث الدهر يدًا في بعض التحوير والتغيير؟
جاء الرسول ﷺ والناس كانوا في جاهلية، وعلى دين محرّف وعبادة الأصنام، فطهَّر الجزيرة وأقام الدين كله لله ودعا الناس كما دعا السابقون من الرسل ﴿أَنِ ٱعْبُدُوا ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلـٰهٍ غَيْرُهُ﴾ [المؤمنون: ٣٢]، فأقام الأمر على ألّا يُعبَد إلا الله وحده، وألّا يعبد الله إلا بما شرع، أي: بما جاءت به الرسل، فألغى جميع الطرق التي يبتكرها الإنسان لعبادة الله، وجعل أمر الدين محصورًا بالرسل ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ١٥٣].
وانتقل الرسول ﷺ إلى الرفيق الأعلى والناس كانوا على دين واحد ومعبود واحد، كانوا يصِفون الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله، وكانت لأسماء الله وصفاته إشراقةٌ في نفوسهم، وكانوا يلتزمون أحكامَ الدين ولم يفصلوا الدين عن الدنيا، وكانوا يتحاكمون إلى كتاب الله وسنة نبيه، وإذا تعارض القول مع الآية أو الحديث التزموا الآية والحديث، ونبذوا القول مهما كان شأن القائل.
وكانت مقالة الصحابي عبد الله بن عمر بن الخطاب: «تكاد تمطر السماء عليكم حجارة! أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال عمر؟».
وأخذ هذه القضية الأئمة الأربعة المتبعون، وكانت مقالتهم: «إذا رأيتم قولي يخالف الحديث، فخذوا بالحديث واضربوا بقولي عُرْض الحائط».
وسارت على هذا النهج: التزام تام بالقرآن والسنة، عقيدةً وعملًا ومحاربةً لكل عقيدةٍ تخالف ما كان عليه السابقون.
وفتح الله على المسلمين بلادًا، ودخل أناس من أديان ومذاهب أخرى الإسلام، وإن لهؤلاء الداخلين مذاهب وتصورات، وخاصة أن بعضهم دخل ليكيد للإسلام وأهله.
وساعد على ذلك أن الكثير ممن دخل لم يتعلم العربية حتى يتمكن من فهم الدين بواسطتها، وصادف كذلك عند البعض -خاصة بعد ظهور الشعوبية- نزعة بالتمسك بالتراث السابق.
كل هذه الأمور السابقة وغيرها مهَّدت إلى ظهور عقائد وآراء وتصورات تخالف الحق الذي أُنزل من عند الله؛ فقامت الحرب بين أنصار الحق والدين وبين من تجمعوا ليؤيدوا هذا الجديد المنحرف، وكانت الفتنة التي عُذِّب فيها إمام أهل السنة والجماعة أحمدُ بن حنبل، وقَيَّض الله لهذا الدين رجالًا يذودون عنه زيف الضالين وتأويل المبطلين، فوُضعت الكتب التي تفضح أولئك القوم وتكشف عُوَارَهم للناس.
وماتت تلك الفرق، ولكن أفكارها التي انتشرت لاقت ذيوعًا، ولا تزال تعيش وتدرس وتتناولها الكتب وخاصة كتب المستشرقين، ثم واجهت الأمة ركودًا وتأخرًا وضياعًا وتتابع عليها الذل والضياع من جميع نواحيها، حتى جاءت بوادر أمل وبداية طريق، وبدأ الأمل يكبر عندما يشاهد هذا الإقبال الجماعي على الدين وتعلمه وفهمه، ولكن مما يؤسف له ويحزن أن تصدى لتثقيف القادمين للإسلام أقوام هم بحاجة إلى تعليم ودعوة؛ إذ إنهم إما أن:
١. يكونوا قد غرقوا في الخيال والخُزَعْبِلات والتصوف والأفكار الدخيلة.
٢. أو تأثروا بالغرب والشرق، فطوّعوا الدين ليخدم السلطات والمسئولين.
فواجه الناشئ الراغب في معرفة دينه هذه الحقيقة المُرَّة، وكثيرون أضاعوا أوقاتًا لدراسة أو عمل أشياء ظنوها من الدين والقُرُبات إلى الله، وتبيَّن بعد ذلك أنها من الخرافة والخيال.
والسوق الآن يعجُّ بكتب تسمى إسلامية أو التراث الإسلامي، ولكنها -إلا القليل- تجمع اليهود والنصارى والمجوس، والقارئ في حيرة، ما الطريق؟ وكيف البداية؟
إذ إن ما ينسب الآن للإسلام فيه الكثير مما يجب غربلته وحذفه، ولذلك لا بد من وقفةِ مراجعةٍ لمعرفة ما هو الإسلام الصحيح وما هو غيره؛ لتتضح الصورة.
ومما يبعث على الأمل أنه بجانب ذلك الرُّكام المختلط من الكتب، توجد الكتب النقية الطيبة التي ترشد للحق وتدل على الخير.
وحتى نتمكن من معرفة الصالح من غيره؛ لا بد من معرفة الإسلام الصحيح أولًا عقيدةً وشريعةً، يعني: أنه لا بد من بيان الأصول لهذا الدين؛ حتى يستطيع المرء الحكم.
ونجد هذا بكتب ابن تيمية رحمه الله، خاصة رسائله في العقيدة، وكذلك محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله جميعًا.
وعلى المرء أن يبحث عن العقيدة الصحيحة ويلتزمها، ومن بحث وجد.