كيف الطريق لإصلاح الأمة؟

 أبنائه عنه، وصرف الناس من حقيقته، وقد ضاعفوا الجهد بعد عجزهم من الانتصار في الحروب الصليبية.

فحِمْلُ هذه القوى الشريرة -من يهود ومجوس ونصارى تجمعوا- على تشويه الإسلام، وقد تمكنوا في تحقيق ذلك لدرجة كبيرة، ويشكل هذا عائقًا للإسلاميين؛ لأنهم أمام مجتمع يفهم الإسلام بطريقة سيئة، وهذه واحدة.

وأمر آخر: أن القوى التي حكمت وسيطرت على العالم الإسلامي بعد الحرب الثانية وسقوط الخلافة -كانت قوى حاقدة على الإسلام وأهله، وكانت تسعى لإنهاء الإسلام والعربية؛ فالعالم الإسلامي كله وقع تحت السيطرة الفرنسية أو البريطانية، وكان هؤلاء المستعمرون يضفون هالة من الوجاهة على ربائبهم من الذين يسيرون في الاتجاه اللاديني، وحاولوا إبعاد المسلمين المخلصين من الساحة ونجحوا.

وثالثة الأثافي: أن بعض الذين تصدوا للدعوة إلى الإسلام -مع إخلاصهم وتفانيهم- كان العلم بالإسلام ينقصهم، فنراهم يتخبطون؛ وذلك أن الإسلام دخله تحريف كبير وتشويه لحقيقته، فهؤلاء الدعاة -إلا من رحم ربك- أردوا النهوض بالأمة، ولكنهم لم يميزوا بين الصحيح والباطل.

وبعض المصلحين الإسلاميين اتجهوا للعمل السياسي قبل أن تبلغ دعوتهم نهايتها من تعريف الناس بأمر الدين والعمل به، ولذلك فإن معظم الحركات الإسلامية مع تقديرنا لأربابها واحترامنا لهم ولما قاموا به من جهد وتفانٍ؛ أن هذه الحركات كان ينقصها العلم الشرعي ومعرفة ما ليس من الإسلام، وأن الخوض في الأحداث أبعدها عن العلم الحقيقي بالإسلام، فتلك الأمور وأخرى غيرها كثير هي التي أعاقت الحركة الإسلامية عن القيادة، مع ملاحظة دور الاستشراق والفكر الباطني.

ثانيًا: الاتجاه الإسلامي:

ولقائل أن يقول: إذا كان الاتجاه غير الإسلامي قد فشل في قيادة الأمة والنهوض بها، وترجعون ذلك إلى أنه اتخذ غير الإسلام طريقًا، فلماذا لم يستطع الإسلاميون الوصول لقيادة الأمة والنهوض بها، والتصور لزعامتها، خاصة وأن الشعوب مسلمة، والشعور بالإسلام لا ينازع؟ فلماذا مع هذا كله لم يستطع الإسلاميون الوصول؟

وإني أقول مع اعترافي بخطورة هذا التساؤل، وأنه يحتاج لأن يفرد ببحث مطول؛ أقول في هذه العجالة ما يلي:

إن معاول هدمٍ قديمةٍ وماكرةٍ قد احتدّت لهذا الدين، وأرادت أن تأتي عليه، ولكن الله أبى ذلك، وقد استطاعت قوى الشر من يهود ومجوس وفرس أن تشوّه الإسلام وتسعى لصرف ما يتنادى له المصلحون ويسعون لتحقيقه بأن تعود الأمة لسابق عهدها ولسيادتها على نفسها وعلى الأمم، وهذه القضية يجمع على الكلام فيها المفكرون في عالمنا العربي، ومنذ سقوط الخلافة العثمانية على يد اليهودي مصطفى أتاتورك ونحن نسمع ونقرأ عن الرقي والنهوض بالأمة، وقد انقسم الراغبون في الإصلاح إلى قسمين مختلفين:

الأول: وهو الذي اتخذ غير الإسلام طريقًا ظانًّا أنه سيوصّله إلى الرقي بالأمة والنهوض بها، وقد تنوعت سبل هذا الاتجاه بين أقصى اليسار وأقصى اليمين.

وقد فشل هذا الاتجاه في تحقيق الأمل المنشود مع أنه توفرت له جميع الأسباب، ولم يفعل هذا الاتجاه سوى أنه تسلط على الشعوب حتى تمنت أنها لو لم تستقل، فالذين مارسوا الحكم من القديسين والثوريين لم يزيدوا الشعب إلا قهرًا واستبدادًا.

وإذا كان هذا الاتجاه غير الإسلامي لا يستطيع النهوض بالأمة والرقي بها؛ فإن ذلك نابع من أن هذه الأمة لا يُصلحها غير الإسلام، فالعرب بدون الإسلام لا يستطيعون أن يفلحوا، وصدق ابن الخطاب إذ يقول: «كنا أذلة رعاة إبل وشاة، فأعزنا الله بالإسلام، ومن يبتغ العزة بغير الإسلام أذله الله»، ولا يستطيع أحد القول بأن عمر لم يكن عربيًّا!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *