لماذا تدرس السيرة؟

جريدة ((الرأي العام))، العدد (5410)، تاريخ 1/12/1978م.
منذ بزوغ فجر الإنسانية والصراع بين أتباع آدم وجند إبليس مستمر، وهذه سُنَّة أرادها الله، وأمرٌ أثبته الرب، وفي كل عصر من العصور يدور الصراع بين قِوى الحق والخير متمثلةً في الرسل وأتباعهم، وبين قوى الباطل: عبدة الطاغوت، وسيستمر هذا الصراع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وتاريخ الصراع هذا اعتنى به الرب تبارك وتعالى، وذكّر به دعاة الخير وأتباع الرسل، وكل نبيٍّ يأتي ويستعد ليقاوم الباطل والشر يأتيه من السماء تاريخ من سبقه من الرسل؛ وذلك أن الإنسان هو الإنسان مهما تغيرتْ البيئة واختلفت الثقافة، تتنوع البيئات والثقافات، ويبقى الطاغوت هو الطاغوت، والشر هو الشر، تتغير الأسماء ولكن المعنى واحد.
وهنا كان سردُ قصص الأولين فيه للآخرين عبرةً وعظةً وتثبيتاً، وفيه استفادة من التجارب، وعندما بلغت الإنسانية نضوجها واستوى عودها وتفنن جند الشيطان في تصوير الباطل وتزويقه؛ ليخدعوا به العوام وضعيفي الرأي؛ عند ذلك كان الوحي يأتي ليوضح تاريخ الرسل كلهم، وشرح خبرات السابقين من الرسل.
وتلقى هذا الرسولُ ﷺ وزاد عليه من تجاربه مع المعاندين، فكانت سيرته ﷺ تجمع خبرات السابقين من الرسل وتجاربه، فهي جماع الأمر كله.
ولذلك فإن الداعية المسلم الذي يريد أن يغير هذا الواقع ويصلحه؛ فإنه محتاج إلى دراسة السيرة وسَيْرِ نموّها؛ ليتعلم منها كيف يطبق الإسلام، فسيرة رسولنا ﷺ هي تضم سير الرسل قاطبة مع سيرته. فقصص السابقين يصفها الله بأن فيها العبرة والعظة، ﴿لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثاً يفترى﴾ .
إذاً ميزة السيرة النبوية وهي إن كانت لازمة للمسلم العادي؛ فهي للذي يرغب أن يكون مجاهداً لإعلاء كلمة الله ألزم وأولى؛ ذلك أن الإسلام عبارة عن قضايا عقائدية وتشريعية، والأمور التشريعية مرتبطة بالناس ارتباطاً كبيراً، فكيف يطبق الأمور التشريعية هذه على الناس؟ يحتاج إلى أن يقرأ السيرة ويتابع كيف طَبَّق النبي ﷺ الأحكام على الناس.
إن الذي لا يدرس السيرة وتاريخ الأمم السابقة ويأخذ النصوص هكذا ظناً منه أنها مجرد نصوص ليطبقها حسب مقصوراته؛ فهذا ـ يقيناً ـ لن يصل للصواب، بل سيتخبط يميناً وشمالاً؛ إذ إن هذا الدين عندما أرسل به الرسول ﷺ؛ فإنه جاء إلى أقوام لهم عادات، ولهم قِيم، فهو لم يلْغِ هذه العادات ولا قَبِلَها، بل كان له منها موقف واضح محدد، وكذلك هناك مئات القضايا التي كانت، وكلها لها مشابهة مع واقعنا، فالداعية لزاماً عليه أن يعرف كيف طبق هذا الدين.
والسيرة التي نعني ليست فقط التركيز على الحمامة والغار والإسهاب في قصص لا حقيقة لها، بل من نسج الخيال، وهذه هي التي اهتمَّ بها الكثير من الناس، أما السيرة الحقيقية سيرة المواقف والتطبيق والعظة والاستنباط، هذا لم يُعْطَ الأهمية المطلوبة، ولذلك نجد أن الأحاديث كلها تدور حول مجموعة أمور في السيرة، وكأنه لا يوجد غيرها، نحن نريد أن يُطْرَح الجانب الحركي من السيرة النبوية المطهرة، الجانب الذي يصور تفاعل الرسول ﷺ مع البيئة التي عاشها، كيف دعا؟ كيف أقنع الناس؟ كيف تعامل مع المشركين من أقاربه؟ كيف تعلم الصحابة الإسلام؟ مشكلات التطبيق في المدينة وكيف حُلّت؟ هذه هي الجوانب التي نرغب أن تُطرح من السيرة.
ومما اهتم به الكتاب في السيرة تصوير الرسول ﷺ وكأنه يختلف عن الناس الآخرين مقدرةً وجسماً، مما جعل البعض إلى التعلق فيه، ولذلك فالمطلوب أن يركز على الجانب البشري من حياته ﷺ بسلبياته وإيجابياته، هذه الجوانب المتعددة للسيرة هي التي نرجو الله أن يعيننا على إبرازها في حلقات متتابعة، إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *