جريدة ((الرأي العام))، العدد (6084)، تاريخ 17/10/1980م.
لقد درج الدكتور محمد حسن على التعرض لمحدث الشام ومحيي السنة أكثر من مرة، وليس لشي إلا لأنه من الذين يوجبون التقليد ويمنعون الاجتهاد، وكم كنا نود أن يكون انتقاد الدكتور للشيخ الألباني مبنياً على علم وبينة. أما مجرد النقد؛ فهذا مالا ترضاه شيمة العلماء.
ورأيتُ أن أذكّر الدكتور بأن علامات أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر، وإلى الدكتور ما كتبه الحافظ الصابوني( ):
علامات أهل البدع: ((وعلامات أهل البدع على أهلها بادية ظاهرة، وأظهر آياتهم وعلاماتهم: شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي ﷺ، واحتقارهم لهم، وتسميتهم إياهم حَشَوية، وجَهَلة، وظاهرية، ومشبهة؛ اعتقاداً منهم في أخبار الرسول ﷺ أنها بمعزل عن العلم، وأن العلم ما يلقيه الشيطان إليهم من نتائج عقولهم الفاسدة، ووساوس صدورهم المظلمة، وهواجس قلوبهم الخالية عن الخير العاطلة، وحججهم ـ بل شبههم ـ الداحضة الباطلة، ﴿أولئك الذين لعنهم، فأصمهم وأعمى أبصارهم﴾، ﴿ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء﴾.
سمعت الحاكم أبا عبدالله الحافظ يقول: سمعت أبا علي الحسين بن علي الحافظ يقول: سمعت جعفر بن أحمد بن مناف الواسطي يقول: سمعت أحمد بن سنان القطاف يقول: ((ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث، فإذا ابتدع الرجل نزعت حلاوة الحديث من قلبه)).
وسمعت الحاكم يقول: سمعت أبا الحسن محمد بن أحمد الحنظلي ببغداد يقول: سمعت محمد بن إسماعيل الترمذي يقول: كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند إمام الدين أبي عبد الله أحمد بن حنبل، فقال له أحمد بن الحسن: يا أبا عبد الله، ذكروا لابن أبي قتيلة بمكة أصحاب الحديث، فقال: أصحاب الحديث قوم سوء. فقام أحمد بن حنبل وهو ينفض ثوبه ويقول: ((زنديق زنديق))، حتى دخل البيت.
وسمعت الحاكم أبا عبد الله يقول: سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى يقول: سمعت أبا نصر بن سلام الفقيه يقول: ((ليس شيء أثقل على أهل الإلحاد ولا أبغض إليهم من سماع الحديث وروايته بإسناده)).
وسمعت الحاكم يقول: سمعت الشيخ أبا بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه ـ وهو يناظر رجلاً ـ فقال الشيخ أبو بكر: حدثنا فلان. فقال له الرجل: دعنا من حدثنا! إلى متى حدثنا؟ فقال الشيخ له: ((قم يا كافر، فلا يحل لك أن تدخل داري بعد هذا أبداً)). ثم التفت إلينا، وقال: ((ما قلت لأحد ما تدخل داري إلا هذا)).
وسمعت [الأستاذ] أبا منصور محمد بن عبد الله بن [حمشاد] العالم الزاهد يقول: سمعت أبا القاسم جعفر بن أحمد المقري الرازي يقول: قُرئ علي عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي وأنا أسمع: سمعت أبي يقول ـ عنى به الإمام في بلده أباه أبا حاتم محمد بن إدريس الحنظلي ـ يقول: ((علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر، وعلامة الزنادقة تسميتهم أهل الأثر حشويه، يريدون بذلك إبطال الأثر، وعلامة القدرية تسميتهم أهل السنة مجبرة، وعلامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبهة، وعلامة الرافضة تسميتهم أهل الأثر [نابتة]( ) وناصبة)).
قلت: وكل ذلك عصبية، ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد وهو أصحاب الحديث.
قلت( ): أنا رأيت أهل البدع في هذه الأسماء التي لقبوا بها أهل السنة سلكوا معهم مسلك المشركين مع رسول الله ﷺ، فإنهم اقتسموا القول فيه، فسماه بعضهم ساحراً، وبعضهم كاهناً، وبعضهم شاعراً، وبعضهم مجنوناً، وبعضهم مفتوناً، وبعضهم مفترياً [مختلقاً]( ) كذاباً، وكان الني ﷺ من تلك المعائب بعيداً بريئاً، ولم يكن إلا رسولاً مصطفى نبياً، قال الله عز وجل: (انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا).
كذلك المبتدعة ـ خذلهم الله ـ اقتسموا القول في حملة أخباره، ونقلة آثاره، ورواة أحاديثه المقتدين (به المهتدين)( ) بسنته؛ فسماهم بعضهم حشوية، وبعضهم مشبهة، وبعضهم [نابتة]، وبعضهم ناصبة، وبعضهم جبرية.
وأصحاب الحديث عصامة من هذه المعائب برية نقية زكية [تقية]، وليسوا إلا أهل السنة المُضية، والسيرة المرضية، والسبل السوية، والحجج البالغة القوية، قد وفقهم الله ـ جل جلاله ـ لاتباع كتابه، ووحيه وخطابه، والاقتداء برسوله ﷺ في أخباره التي أمر فيها أمته بالمعروف من القول والعمل، وزجرهم فيها عن المنكر منها، وأعانهم على التمسك بسيرته، والاهتداء بملازمة سنته، وشرح صدورهم لمحبته، ومحبة أئمة شريعته، وعلماء أمته، ومن أحب قوماً فهو منهم يوم القيامة بحكم [قول] رسول الله ﷺ: ((المرء مع من أحب)) )).