لا يشك عاقل أن الإنسان باجتهاده البشري لن يتوصل لمعرفة مراد الله، ولا يستطيع الإنسان أن يعرف ماذا يحب الله وماذا يكره؛ لأن هذا مناط بمعرفة ذاته سبحانه، وهذا من المحال.
ولذلك فإن الذين اجتهدوا على مرِّ الزمان لم يحالفهم الحظ في الوصول للغاية التي أرادوا وهي مراد الله، فتنوعت وسائلهم وهاموا في الضلال، ولكن هل ترك الله الناس يتيهون بحثًا عن الطريق أم دلّهم عليه؟
وحيث إن ربنا يتصف بالعدل والحكمة والعلم؛ علمناه أنه لم يترك الناس هَمَلًا، وإنما دلهم على الطريق ورسمه لهم بعناية فائقة؛ حتى لا تكون لأحد حجة على الله بعد الرسل.
فأرسل الرسل يتتابعون على كل قرية وأمة من الناس، يُدلونهم على الله ويُرشدونهم إليه، وقد تفنن الناس في ابتكار أنواع من العبادات لغير الله، فعبدوا الشمس والقمر والشجر والحيوان، وما من شيء إلا وعُبِدَ من دون الله تعالى!
وجاءت الرسل لتقول للناس: قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، فكان الجواب ﴿أَجَعَلَ ٱلْآلِهَةَ إِلـٰهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: ٥]، ودارت رحى الحرب بين الرسل والناس، وكانوا فريقين:
١- مؤيد.
٢- معارض معادٍ.
ولسنا هنا بصدد بيان أنواع الشرك، وإنما لنقول: إن الإنسان عندما يقرر التعبد بطريقته الخاصة؛ فإنه لن يصل إلى مراد الله تعالى وسيتخبط في متاهات الضلال، ولذلك فإن الرسل عندما جاءت للأمم فإنها جاءت لتعدل المسار الخاطئ، وما حاربها من حاربها إلا من عميت بصيرته ولبس عليه، وكانت دعوة الرسل جميعًا ﴿أَنِ ٱعْبُدُوا ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلـٰهٍ غَيْرُهُ﴾ [المؤمنون: ٣٢].
ونحن هنا نقرر قاعدتين أساسيتين تقوم عليهما العبادة، ويتوقف بُعْد الإنسان عن الصواب وقربه منه بمقدار التزامه بهما أو بعده عنهما، وهما:
١- ألّا تعبد إلا الله.
٢- ألّا تعبد الله إلا بالشرع.
وتفصيل ذلك:
لا تعبد إلا الله، عندما يقرر الإنسان أن يتجه لخالقه بالعبادة؛ فإنه أحيانًا يضل الطريق ويتيه، والإنسانية تاهت قديمًا وحديثًا؛ فهناك عباد الله وعباد غيره.
أما عباد الله؛ فإن الرسل جاءت إليهم لترشدهم؛ فكما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ ٱعْبُدُوا ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُوا ٱلطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلَالَةُ﴾ [النّحل: ٣٦]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ﴾ [الأنبيَاء: ٩٢]، ووصف الملائكة والأنبياء بذلك فقال: ﴿وَلَهُ مَنْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ [الأنبيَاء: ١٩، ٢٠]، وقال تعالى: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ [الإنسَان: ٦]، فهؤلاء هم عباد الله.
ويقول الله: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ ٱلدِّينَ﴾ [الزُّمَر: ١١].
ويقول تعالى عن الذين ضلوا الطريق: ﴿يُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱللَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا ٱسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فَاطِر: ١٣، ١٤].
وقال تعالى: ﴿وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ﴾ [يُونس: ١٠٦].
وقال تعالى: ﴿أَمِ ٱتَّخَذُوا مِنْ دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ ٱلشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [الزُّمَر: ٤٣، ٤٤].
والنصوص في هذا متضافرة، وكلها تدور حول إفراد الله تعالى بالعبادة، والأمر الجامع في هذا قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: ١١٠].
والذي يتقرر هنا: أن إفراد الله وحده بالعبادة هو أساس الإسلام، وما بعد ذلك تبعٌ له ولاحقٌ، والذي لا يحقق هذا الأساس فإنما دينه على هاوية.
أما ما هو الشرك؟ وكيف يتقى؟ فإن لهذا موضعًا آخر إن شاء الله، وإنما نحن نركز حول أن أول الأمر إفراد الرب وحده بالعبادة سبحانه، وهو معنى قولنا: أشهد أن لا إله إلا الله.
فالذي يشهد بأن «لا إله إلا الله» معناه: أنه يقر بهذا وأن جميع المعبودات سوى الله باطلة وضلال، وهذا القدر هو الذي نريد تقريره هنا بأن أي معبود سوى الله باطل وضلال، فاعرف هذا فإنه لك نافع.